الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ إنما حرم عليكم الميتة } اى ما مات بغير ذكاة مما يذبح والسمك والجراد مستثنيان بالعرف لانه اذا قيل فلان اكل ميتة لم يسبقا الى الفهم ولا اعتبار للعادة قالوا من حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا لم يحنث وان اكل لحما فى الحقيقة قال الله تعالىلتأكلوا منه لحما طريا } النحل 14. والمراد بتحريم الميتة تحريم اكلها وشرب لبنها او الانتفاع بها لان الاحكام الشرعية انما تتعلق بالافعال دون الاعيان { والدم } الجارى والكبد والطحال مستثنيان ايضا بالعرف فهما حلالان { ولحم الخنزير } قد انعقد الاجماع على ان الخنزير حرام لعينه فيكون جميع اجزائه محرما وانما خص الله لحمه بالذكر لانه معظم ما ينتفع به من الحيوان فهو الاصل وما عداه تبع له { وما أهل به لغير الله } اى وحرم ما رفع به الصوت عند ذبحه للصنم واصل الاهلال رفع الصوت وكانوا اذا ذبحوا لآلهتهم يرفعون اصواتهم بذكرها ويقولون باسم اللات والعزى فجرى ذلك من امرهم حتى قيل لكل ذابح وان لم يجهر بالتسمية مهل. قال العلماء لو ذبح مسلم ذبيحة وقصد بها التقرب الى غير الله صار مرتدا وذبيحته ميتة وذبائح اهل الكتاب تحل لنا لقوله تعالىوطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } المائدة 5. الا ان سموا غير الله فانها حينئذ لا تحل لهذه الآية فان قوله تعالىوطعام الذين } المائدة 5 الخ عام. وقوله { وما أهل به لغير الله } خاص مقدم على العام { فمن } يحتمل ان تكون شرطية وموصولة { اضطر } اى احوج وألجئ الى اكل شىء مما حرم الله بان لا يجد غيرها وجد ان الاضطرار ان يخاف على نفسه او على بعض اعضائه التلف { غير } نصب على الحال فانه اذا صلح فى موضع لا فهو حال وان صلح فى موضع الا فهو استثناء والا فهو صفة وذو الحال ههنا فاعل فعل محذوف بعد قوله اضطر تقديره فمن اضطره احد امرين الى تناول شىء من هذه المحرمات احدهما الجوع الشديد مع عدم وجدان مأكول حلال يسد رمقه وثانيهما الاكراه على تناوله فتناول واكل حال كونه غير { باغ } على مضطر آخر بأن حصل ذلك المضطر الآخر من الميتة مثلا قدر ما يسد به جوعته فأخذه منه وتفرد بأكله وهلك الآخر جوعا وهذا حرام لان موت الآخر جوعا ليس اولى من موته جوعا { ولا عاد } من العدو وهو التعدى والتجاوز فى الامر لما حد له فيه اى غير متجاوز حد الشبع عند الاكل بالضرورة بان يأكل قدر ما يحصل به سد الرمق والجوعة { فلا إثم عليه } فى تناوله عند الضرورة { ان الله غفور } لما اكل فى حال الاضطرار { رحيم } بترخيصه ذلك ولم يذكر فى هذه الآية سائر المحرمات لانها ليست لحصر المحرمات بل هذه الآيات سيقت لنهيهم عن استحلال ما حرم الله وهم كانوا يستحلون هذه الاشياء فكانوا يأكلون الميتة ويقولون تأكلون ما امتم ولا تأكلون ما اماته الله وكذا يأكلون الدم ولحم الخنزير وذبائح الاصنام فبين انه حرمها فالمراد قصر الحرمة على ما ذكر مما استحلوه لا مطلقا.

السابقالتالي
2 3