الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }

{ ومثل } واعظ { الذين كفروا } وداعيهم الى الحق { كمثل } الراعى { الذى ينعق } نعق الراعى والمؤذن بعين مهملة صوت وبالمعجمة نغق للغراب والمعنى يصوت { بما لا يسمع } وهو البهائم اى لا يدرك بالاستماع { الا دعاء } صوتا من الناعق { ونداء } زجرا مجردا من غير فهم شىء آخر وحفظه كما يفهم العاقل ويجيب. قيل الفرق بين الدعاء والنداء ان الدعاء للقريب والندا للبعيد ويحتمل ان يكون الدعاء اعم من النداء والتشبيه المذكور فى الآية من قبيل التشبيه المفرق شبه داعى الكافر بالناعق ونفس الكفرة بالبهائم المنعوق بها ودعاء داعى الكفرة بنعيق الناعق بالبهائم والمعنى مثلك يا محمد ومثل الذين كفروا فى وعظهم ودعائهم الى الله وعدم اهتدائهم كمثل الراعى الذى يصيح بالغنم ويكلمها ويقول كلى واشربى وارعى وهى لا تفهم شيأ مما يقول لها كذلك هؤلاء الكفار كالبهائم لا يعقلون عنك ولا عن الله شيأ { صم } اى هم صم يعنى كأنهم يتصاممون عن سماع الحق { بكم } بمنزلة الخرس فى ان لم يستجيبوا لما دعوا اليه { عمى } بمنزلة العمى من حيث اعراضهم عن الدلائل كأنهم لم يشاهدوها ثم انه تعالى لما شبههم بفاقدى هذه القوى الثلاث التى يتوسل بها الى تمييز الحق من الباطل واختيار الحق فرع على هذا التشبيه قوله { فهم لا يعقلون } اى لا يكتسبون الحق بما جبلوا عليه من العقل الغريزى لان اكتسابه انما يكون بالنظر والاستدلال ومن كان كالاصم والاعمى فى عدم استماع الدلائل ومشاهدتها كيف يستدل على الحق ويعقله ولهذا قيل من فقد حسا فقد فقد علما وليس المراد نفى اصل العقل لان نفيه رأسا لا يصلح طريقا للذم وهكذا لا ينفع الوعظ فى آخر الزمان لان آذان الناس مسدودة عن استماع الحق واذهانهم مصدودة عن قبوله ونعم ما قال السعدى
فهم سخن جون نكند مستمع قوت طبع از متكلم مجوى فسحت ميدان ارادت بيار تابزند مرد سخن كوى كوى   
وفى قوله تعالىأولو كان آباؤهم } البقرة 170 الآية. اشارة الى قطع النظر عن الاسلاف السوء واتباع اهل الاهواء المختلفة والبدع الذين لا يعقلون شيأ من طريق الحق وضلوا فى تيه محبة الدنيا ويدعون انهم اهل العلم وليسوا من اهله اتخذوا العلم مكسبا للمال والجاه وقطعوا الطريق على اهل الطلب قال تعالى فى بعض الكتب المنزلة لا تسألن عن عالم قد اسكره حب الدنيا فاولئك قطاع الطريق على عبادى فمن كان على جادة الحق وصراط الشريعة وعنده معرفة سلوك مقامات الطريقة يجوز الاقتداء به اذ هو من اهل الاهتداء الى عالم الحقيقة دون مدعى الشيوخة بطريق الارث من الآباء ولاحظ لهم من طريق الاهتداء فانهم لا يصلحون للاقتداء قال السعدى

السابقالتالي
2 3