الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

{ إنما يأمركم } اى يوسوس لكم شبه تسلطه عليهم بآمر مطاع وشبهوا فى قبولهم للوسوسة وطاعتهم له بالطبع بمأمور مطيع وفيه رمز الى انهم بمنزلة المأمورين المنقادين له تسفيها لرأيهم وتحقيرا لشأنهم { بالسوء } وهو كل ما ساءك فى عاقبتك يطلق على جميع المعاصى سواء كانت من اعمال الجوارح او اعمال القلوب لاشتراك كلها فى انها تسوء صاحبها وتحزنه { والفحشاء } من عطف الخاص على العام اى اقبح انواع المعاصى واعظمها مساءة فالزنى فاحشة والبخل فاحشة وكل فعلة قبيحة فاحشة واصل الفحش مجاورة القدر فى كل شىء وجعل البيضاوى المغايرة بين السوء والفحشاء بحسب المفهوم دون الذات فانه سميت المعصية سوأ لاغتمام العاقل بها وفحشاء باستقباحه اياها فاطلاق السوء والفحشاء على المعصية من قبيل التوصيف بالمصدر للمبالغة مثل رجل عدل { وان تقولوا } اى يأمركم بان تفتروا { على الله } بانه حرم هذا او ذاك { ما لا تعلمون } ان الله تعالى امر به وهو اقبح ما امر به الشيطان من القبائح لان وصفه تعالى بما لا ينبغى ان يوصف به من اعظم انواع الكبائر كما ان الفحشاء اقبح انواع السوء. فان قيل كيف يأمرنا الشيطان بذلك ونحن لا نراه ولا نسمع كلامه فكيف وسوسته وكيف وصوله الى القلب. قلنا وهو كلام خفى على ما قيل تميل اليه النفوس والطبع وقد قيل يدخل فى جسد ابن آدم لانه جسم لطيف ويوسوس وهو انه يحدث النفس بالافكار الرديئة قال تعالىيوسوس فى صدور الناس } الناس 5. ومن دعاء النبى صلى الله عليه وسلم " اللهم اعمر قلبى من وساوس ذكرك واطرد عنى وساوس الشيطان " قال فى اكام المرجان وينحصر ما يدعو الشيطان اليه ابن آدم ويوسوس له فى ست مراتب. المرتبة الاولى مرتبة الكفر والشرك ومعاداة رسوله فاذا ظفر بذلك من ابن آدم برد انينه واستراح من تعبه معه لانه حصل منتهى امنيته وهذا اول ما يريده من العبد. المرتبة الثانية البدعة هى احب اليه من الفسوق والمعاصى لان المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها لان صاحبها يظنها حقيقة صحيحة فلا يتوب. فاذا عجز عن ذلك انتقل الى المرتبة الثالثة وهى الكبائر على اختلاف انواعها. فاذا عجز عن ذلك انتقل الى المرتبة الرابعة وهى الصغائر التى اذا اجتمعت صارت كبيرة والكبائر ربما اهلكت صاحبها كما قال عليه السلام " اياكم ومحقرات الذنوبBR> ". فان مثل ذلك مثل قوم نزلوا بفلاة من الارض فجاء كل واحد يعود حطب حتى اوقدوا نارا عظيمة وطبخوا وشبعوا. فاذا عجز عن ذلك انتقل الى المرتبة الخامسة وهى اشتغاله بالمباحات التى لا ثواب فيها ولا عقاب بل عقابها فوات الثواب الذى فات عليه باشتغاله بها.

السابقالتالي
2