الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

{ إن فى خلق السموات والارض } اى فى ابداعهما على ما هما عليه مع ما فيهما من تعاجيب العبر وبدائع الصنايع التى يعجز عن فهمها عقول البشر وانما جمع السموات وافرد الارض لان كل سماء ليست من جنس الاخرى بين كل سماءين من البعد مسيرة خمسمائة عام او لان فلك كل واحدة غير فلك الاخرى والارضون كلها من جنس واحد وهو التراب. قال ابن التمجيد فى حواشيه وعند الحكماء محدب كل سماء مماس لمقعر ما فوق غير الفلك التاسع المسمى بالعرش فان محدبه غير مماس لشىء من الافلاك لان ما فوقه خلاء وبعد غير متناه عندنا وعند الحكماء لا خلاء فيه ولا ملاء والعلم عند الله { واختلاف الليل والنهار } اى فى تعاقبهما فى الذهاب والمجىء يخلف احدهما صاحبه اذا جاء احدهما جاء الآخر خلفه اى بعده وفى الزيادة والنقصان والظلمة والنور { والفلك التى تجرى فى البحر } لا ترسب تحت الماء وهى ثقيلة كثيفة والماء خفيف لطيف وتقبل وتدبر بريح واحدة والفلك فى الآية جمع وتأنيثه بتأويل الجماعة { بما ينفع الناس } ما اسم موصول والمصاحبة والجملة فى موضع النصب على الحالية من فاعل تجرى اى تجرى مصحوبة بالاعيان والمعانى التى تنفع الناس فانهم ينتفعون بركوبها والحمل فيها للتجارة فهى تنفع الحامل لانه يربح والمحمول اليه لانه ينتفع بما حمل اليه { وما } اى ان فيما { ما انزل الله من السماء } من لابتداء الغاية اى من جهة السماء { من ماء } بيان للجنس فان المنزل من السماء يعم الماء وغيره والسماء يحتمل الفلك على ما قيل من ان المطر ينزل من السماء الى السحاب ومن السحاب الى الارض ويحتمل جهة العلو سماء كانت او سحابا فان كل ما علا الانسان يسمى سماء ومنه قيل للسقف سماء البيت { فاحيى به } عطف على ما انزل اى نضر بالماء النازل { الارض } بانوا النبات والازهار وما عليها من الاشجار { بعد موتها } اى بعد ذهاب زرعها وتناثر اوراقها باستيلاء اليبوسة عليها حسبما تقتضيه طبيعتها. قال ابن الشيخ فى حواشيه لما حصل للارض بسبب ما نبت فيها من انواع النبات حسن وكمال شبه ذلك بحياة الحيوان من حيث ان الجسم اذا صار حيا حصل فيه انواع من الحسن والنضارة والبهاء والنماء فكذلك الارض اذا تزينت بالقوة المنبتة وما يترتب عليها من انواع النبات { وبث فيها } اى فرق ونشر فى الارض { من كل دابة } من كل حيوان يدب على وجهها من العقلاء وغيرهم وهو معطوف على فاحيى والمناسبة ان بث الدواب يكون بعد حياة الارض بالمطر لانهم ينمون بالخصب ويعيشون بالمطر { وتصريف الرياح } عطف على ما انزل اى فى تقليبها فى مهابها قبولا ودبورا وشمالا وجنوبا وفى كيفيتها حارة وباردة وفى احوالها عاصفة ولينة وفى آثارها عقما ولواقح وقيل فى اتيانها تارة بالرحمة وتارة بالعذاب.

السابقالتالي
2 3