الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }

{ أولئك } المنافقون المتصفون بما ذكر من الصفات الشنيعة المميزة لهم عمن عداهم اكمل تمييز بحيث صاروا كأنهم حضار مشاهدون على ما هم عيله وما فيه من معنى البعد للايذان ببعد منزلتهم فى الشر وسوء الحال ومحله الرفع على الابتداء وخبره قوله { الذين اشتروا الضلالة بالهدى } اصل الاشتراء بذل الثمن لتحصيل ما يطلب من الاشياء ثم استعير للاعراض عما فى يده محصلا به غيره ثم اتسع فيه فاستعمل للرغبة عن الشئ طمعا فى غيره وهو ههنا عبارة عن معاملتهم السابقة المحكية واشتروا الضلالة وهى الكفر والعدول عن الحق والصواب بالهدى وهو الايمان والسلوك فى الطريق المستقيم والاستقامة عليه مستعار لاخذها بدل منه اخذا متصفا بالرغبة فيها والاعراض عنه اى اختاروها عليه واستبدولها به واخذوها مكانه وجعل الهدى كأنه فى ايديهم لتمكنهم منه وهو الاستعداد به فبميلهم الى الضلالة عطلوه وتركوه. والباء تصحب المتورك فى باب المعاوضة وهذا دليل على ان الحكم يثبت بالتعاطى من غير تكلم بالايجاب والقبول فان هؤلاء سموا مشترين بترك الهدى واخذ الضلال من غير التكلم بهذه المبادلة كما فى التيسير { فما ربحت تجارتهم } ترشيح للمجاز اى ما ربحوا فيها فان الربح مسند الى ارباب التجارة فى الحقيقة فاسناده الى التجارة نفسها على الاتساع لتلبسها بالفاعل او لمشابهتها اياه من حيث انها سبب الربح والخسران ودخلت الفاء لتضمن الكلام معنى الشرط تقديره واذا اشتروا فما ربحوا كما فى الكواشى والتجارة صناعة التجار وهو التصدى بالبيع والشراء لتحصيل الربح وهو الفضل على رأس المال { وما كانوا مهتدين } اى الى طريق التجارة فان المقصد منها سلامة رأس المال مع حصول الربح ولئن فات الربح فى صفقة فربما يتدارك فى صفقة اخرى لبقاء الاصل واما اتلاف الكل بالمرة فليس من باب التجارة قطعا وهؤلاء قد اضاعوا الطلبتين لان رأس مالهم كان الفطرة السليمة والعقل الصرف فلما اعتقدوا هذه الضلالات بطل استعدادهم واختل عقلهم ولم يبق لهم رأس مال يتوسلون به الى درك الحق ونيل الكمال فبقوا خاسرين آيسين من الربح فاقدين الاصل نائين عن طريق التجارة بالف منزل. واعلم ان المهتدى هو الذى ترك الدنيا والعادة ثم اشتغل بوظائف الطاعة والعبادة لا من اتبع كل ما يهواه وخلط هواه بهداه – حكى – انه كان للشيخ الاستاذ ابى على الدقاق رضى الله عنه مريد تاجر متمول فمرض يوما فعاده الشيخ وسأل منه سبب علته فقال التاجر قمت هذه الليلة لمصلحة التهجد فلما اردت الوضوء بدالى من ظهرى حرارة فاشتد امرى حتى صرت محموما فقال الشيخ لا تفعل فعلاً فضوليا ولا ينفعك التهجد ما دمت لم تهجر دنياك وتخرج محبتها من قلبك فاللائق لك اولا هوذا ثم الاشتغال بوظائف النوافل فمن كان به اذى من رأسه من صداع لا يسكن ألمه بالطلاء على الرجل ومن تنجست يده لا يجد الطهارة بغسل ذيله وكمه.

السابقالتالي
2 3