الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ }

{ ولا تقولوا } نزلت فى شهداء بدر وكانوا اربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وثمانية من الانصار وكان الناس يقولون { لمن يقتل } فى سبيل الله مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها فانزل الله تعالى ولا تقولوا لمن يقتل القتل نقض البنية الحيوانية { فى سبيل الله } وهو الجهاد لانه طريق الى ثواب الله ورحمته { أموات } اى هم اموات { بل أحياء } اى كالاحياء فى الحكم لا ينقطع ثواب اعمالهم لانهم قتلوا لنصرة دين الله فما دام الدين ظاهرا فى الدنيا وأحد يقاتل فى سبيل الله فلهم ثواب ذلك لانهم سنوا هذه السنة { ولكن لا تشعرون } كيف حالهم فى حياتهم وفيه رمز الى انها ليست مما يشعر به بالمشاعر الظاهرة من الحياة الجسمانية وانما هى امر روحانى لا يدرك بالعقل بل بالوحى. وفى الآية دلالة على ان الارواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحس به من البدن تبقى بعد الموت دراكة وعليه الجمهور. فان قلت الحياة الروحانية المستتبعة لادراك اللذة والالم مشتركة فى الجميع فما وجه تخصيص الشهداء بها قلت لاختصاصهم بالقرب من الله تعالى ومزيد البهجة والكرامة ومن لم يبلغ منزلتهم لا تكون حياته معتدا بها فكأنه ليس بحى قال تعالى فى حق اهل النارلا يموت فيها ولا يحيى } طه 74. واعلم ان نفس الانسان وذاته الذى هو مخاطب مكلف مأمور منهى بأوامر الله ونواهيه جسمانى لطيف سار فى هذا البدن المحسوس سريان النار فى الفحم وماء الورد فى الورد وهو الذى يشير اليه كل احد بقوله انا وهو الانسان حقيقة وهو الولى والنبى والمثاب والمعاقب على اعماله وهو كان فى صلب آدم حين سجد له الملائكة وهو الذى سأله الله بقولهألست بربكم قالوا بلى } الأعراف 172. وهو الذى يتوفى فى المنام ويخرج ويسرح ويرى الرؤيا فيسر بما يرى او يحزن فان امسكه الله ولم يرجع الى جسده تبعه الروح والجسد الكثيف المعبر عنه بالبدن والروح السلطانى محل تعينه هو القلب الصنوبرى والروح الحيوانى محل تعينه هو الدماغ ويقال له القلب والعقل والنفس ايضا سرى فى جميع اعضاء البدن الا ان سلطانه قوى فى الدماغ فهو اقوى مظاهره وهو اى الروح الحيوانى انما حدث بعد تعلق الروح السلطانى بهذا الهيكل فهو من انعكاس انوار الروح السلطانى ليكون مبدأ الافعال لان الحياة امر مغيب مستور فى الحى لا يعلم الا بآثارها كالحس والحركة والعلم والارادة وغيرها وهذا يدور على الروح الحيوانى فما دام هذا البخار باقيا على الوجه الذى يصلح ان يكون علاقة بينهما فالحياة قائمة وعند انتفائه وخروجه عن الصلاحية له تزول الحياة ويخرج الروح من البدن خروجا اضطراريا وهو الموت الحقيقى وكما يخرج الروح من البدن خروجا اضطراريا كذلك قد يخرج منه خروجا اختياريا ويعود اليه متى شاء وهو الذى سماه الصوفية بالانسلاخ فقد عرفت من هذا ان مذهب اهل السنة والجماعة ان الروح جسم لطيف مغاير لهذا الهيكل المحسوس وانكشف لك حال الروح ووقف على اسرار البرزخ واحوال القبر وما فيه من الالم واللذة الجسمانيين وانحل عندك وجه كونه روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران فالشهداء احياء بالحياة البرزخية متنعمون لانهم اجسام لطيفة كالملائكة فانهم موجودون احياء قال المولى الفنارى فى تفسير الفاتحة كل نعيم يتنعم به الصديقون والشهداء والصالحون فى البرزخ خيالى وكذا كل عذاب يتألم به الجهنميون ومصداق ذلك انه اذا نفخ فى الصور وبعث الخلق ينسى كل واحد منهم حاله فى البرزخ ويتخيل ان ذلك الذى كان فيه منام كما تخليه المستيقظ وقد كان حين مات وانتقل الى البرزخ كالمستيقظ هناك وان الحياة الدنيا كانت له كالمنام وفى الآخرة يعتقد فى امر الدنيا والبرزخ انه منام فى منام وان اليقظة الصيححة هى التى هو عليها فى الدار الآخرة حيث لا نوم فيها ولا نوم بعدها انتهى كلامه.

السابقالتالي
2 3