الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ }

{ الحق } الذى انت عليه يا محمد { من ربك } خبر لقوله الحق { فلا تكونن من الممترين } اى الشاكين فى كون الحق من ربك هذا خطاب له صلى الله عليه وسلم والمقصود خطاب امته ونهيهم عن الامتراء ومعنى نهى الامة عن الامتراء امرهم بضده الذى هو اليقين وطمانينة القلب. قال القشيرى حملهم مستكنات الحسد وسوء الاختيار على مكابرة ما علموا بالاضطرار وكذلك المغمور فى ظلمات نفسه يلقى جلباب الحياء فلا ينجع فيه ملام ولا يرده عن انهماكه كلام. قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى عندنا ثلاث مراتب. احديها مرتبة التقليد وهى لعامة الناس. والثانية مرتبة التحقيق والايقان وهى للمجتهدين كالائمة الاربعة ومن يحذو حذوهم. والثالثة مرتبة المشاهدة والعيان فهى للكمل من اهل السلوك قال واذا لم تتطهر النفس من الاخلاق الرديئة لا تحصل المعارف الآلهية وان كان كاملا فى العقل والعلوم ألا يرى ان الشيطان مع عقله وعلمه كيف استكبر وعصى امر الله تعالى لما فى نفسه من الكبر والحسد وكذلك حال اهل الكتاب فى امر القبلة وشأن النبى صلى الله عليه وسلم حيث لم ينفع العلم والمعرفة لخبث باطنهم فلا بد من تزكية النفوس وتصفية القلوب والاستقامة فى باب الحق الى ان يأتى اليقين ـ حكى ـ ان يونس خدم شيخه طبق امره ثلاثين سنة بالصدق حتى تورم ظهره من نقل الحطب فلم يظهر وكان شيخه نظرا له فثقل ذلك على سائر الطالبين وقالوا انه يخدم الشيخ على محبة بنته حتى تكلموا فى ذلك الشيخ فلما اتى بالحطب قال شيخه نعم الحطب المستقيم يا يونس فقال ان غير المستقيم لا يليق بهذا الباب وما تكلموا فى حقه ليس على وجه النفاق بل لما رأوا انهم لا يتحملون ما يتحمل يونس اشكل عليهم الامر فحملوه على حب البنت وسؤال الشيخ ايضا وجواب يونس بهذا الوجه انما كان لارشادهم وازالة شبههم والا فالشيخ كان يعرف احوال يونس ولم يحصل له سوء ظن من كلامهم لان من كان مرشدا لا يعرف حال المريد بكلام الغير فى المدح والذم ثم زوج الشيخ بنته له وقال حتى لا يكون الاخوان كاذبين ولا يحصل لهم الخجالة وكانت البنت متى قرأت القرآن يقف الماء فلم يمسها يونس الى آخر عمره وقال انا لا أليق بها فللسالك فى مرتبة الطبيعة ان يترك مقتضاها ويقتصر على قدر الكفاية من الاكل والشرب ولا يتقيد بتدارك ما تشتهيه طبيعته فان الخير فى مخالفتها ومن تربية النفس ان يجتنب عن حب الاموال والاولاد فانهما فتنة ومعينان لها على كبرها بكثرتهما واكثر الانفس لا تحب صرفها بل تدخرها ليزداد استكبارها وقد قال تعالى

السابقالتالي
2