الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

{ وكذلك } اشارة الى مفهوم الآية المتقدمة اى كما جعلناكم مهتدين الى الصراط المستقيم { جعلناكم } توحيد الخطاب فى كذلك مع القصد الى المؤمنين لما ان المراد مجرد الفرق بين الحاضر والمنقضى دون تعيين المخاطبين { امة وسطا } اى خيارا لان الاوساط محمية محوطة والاطراف يتسارع اليها الخلل { لتكونوا شهداء على الناس } يوم القيامة ان الرسل قد بلغتهم { ويكون الرسول } اى محمد صلى الله عليه وسلم { عليكم شهيدا }. ان قلت ان الشاهد اذا اضر بشهادته عديت الشهادة بكلمة على واذا نفع بها تعدى باللام فيقال شهد له والرسول عليه السلام لما زكى امته وعدلهم بشهادته انتفعوا بها فالظاهر ان يقال ويكون الرسول لكم شهيدا بخلاف شهادة الامة على الناس فانها شهادة عليهم حيث استضروا بها فكلمة على فيها واقعة فى موضعها. قلت هذا مبنى على تضمين الشهيد معنى الرقيب والمطلع فعدى تعديته والوجه فى اعتبار تضمين الشهيد الاشارة الى ان التعديل والتزكية انما يكون عن خبرة ومراقبة بحال الشاهد فاذا شاهد منه الرشد والصلاح عدله وزكاه واثنى عليه ولا يسكت عنه وقدمت صلة الشهادة اى عليكم لاختصاصهم بشهادته صلى الله عليه وسلم على سبيل التزكية والتعديل وهو لا ينافى شهادته صلى الله عليه وسلم للانبياء بالتبليغ وعلى منكرى التبليغ بالتكذيب ـ روى ـ ان الله تعالى يجمع الاولين والاخرين فى صعيد واحد ثم يقول لكفار الامم ألم يأتكم نذير فينكرون فيقولون ما جاءنا بشير ولا نذير فيسأل الأنبياء عن ذلك فيقولون كذبوا قد بلغناهم فيسألهم البينة وهو اعلم بهم اقامة للحجة فيؤتى بامة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون لهم انهم قد بلغوا فتقول الامم الماضية من اين علموا وانهم اتوا بعدنا فيسأل هذه الامة فيقولون ارسلت الينا رسولا وانزلت عليه كتابا اخبرتنا فيه بتبليغ الرسل وانت صادق فيما اخبرت ثم يؤتى بمحمد عليه الصلاة والسلام فيسأل عن حال امته فيزكيهم ويشهد بصدقهم فيؤمر بالكفار الى النار. قال بعض ارباب الحقيقة معنى شهادتهم على الناس اطلاعهم بنور التوحيد على حقوق الاديان ومعرفتهم لحق كل دين وحق كل ذى دين من دينه وباطلهم الذى ليس حقهم الذى هو مخترعات نفوسهم وطريق الحق واحد فمن تحقق بحق دين تحقق بحق سائر الاديان وخاصة دين الاسلام الذى هو الحق الاعظم ومعنى شهادة الرسول عليهم اطلاعه على رتبة كل متدين بدينه وحقيقته التى هو عليها من دينه وحجابه الذى هو به محجوب عن كمال دينه فهو يعرف ذنوبهم وحقيقية ايمانهم واعمالهم وحسناتهم وسيآتهم واخلاصهم ونفاقهم وغير ذلك بنور الحق وامته يعرفون ذلك من سائر الامم بنوره عليه الصلاة والسلام. قال بعضهم جعلنا سبحانه وتعالى آخر الامم تشريفا لحبيبه وامته لانه لو قدمنا لاحتجنا ان ننتظر فى قبورنا قدوم الامم الماضية فجعلهم سبحانه وتعالى فى انتظارنا تشريفا لنا وايضا جعلنا آخر الامم لنكون يوم القيامة شهداء على جميع الامم الماضية ويكفى شرفا لهذه الامة المرحومة ما قال صلى الله عليه وسلم فى حق علمائهم

السابقالتالي
2 3 4