الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ }

{ صبغة الله } الصبغ ما يلون به الثياب والصبغ المصدر والصبغة الفعلة التى تبنى للنوع والحالة من صبغ كالجلسة من جلس وهى الحالة التى يقع الصبغ عليها وهى اى الصبغة فى الآية مستعارة لفطرة الله التى فطر الناس عليها شبهت الخلقة السليمة التى يستعد بها العبد للايمان وسائر انواع الطاعات بصبغ الثوب من حيث ان كل واحدة منهما حلية لما قامت هى به وزينة له والتقدير صبغنا الله صبغة اى فطرنا وخلقنا على استعداد قبول الحق والايمان فطرته فهذا المصدر مفعول مطلق مؤكد لنفسه لانه مع عامله المقدر بعينه وقع مؤكدا لمضمون الجملة المقدمة وهو قوله آمنا بالله لا محتمل لها من المصادر الا ذلك المصدر لان ايمانهم بالله يحصل بخلق الله اياهم على استعداد اتباع الحق والتحلى بحلية الايمان ويحتمل ان يكون التقدير طهرنا الله تطهيره لان الايمان يطهر النفوس من اوضار الكفر وسماه صبغة للمشاكلة وهى ذكر الشئ بلفظ غيره لوقوع ذلك الشئ فى صحبة الغير اما بحسب المقال المحقق او المقدر بان لا يكون ذلك الغير مذكورا حقيقة ويكون فى حكم المذكور لكونه مدلولا عليه بقرينة الحال فهى كما تجرى بين فعلين كما هنا تجرى بين قولين كما فى تعلم ما فى نفسى ولا اعلم ما فى نفسك فانه عبر عن ذات الله تعالى بلفظ النفس لوقوعه فى صحبة لفظ النفس وعبر عن لفظ الفطرة بلفظ الصبغة لوقوعه فى صحبة صبغة النصارى اذ كانوا يشتغلون بصبغ اولادهم فى سابع الولادة مكان الختان للمسلمين بغمسهم فى الماء الاصفر الذى يسمونه المعمودية على زعم ان ذلك الغمس وان لم يكن مذكورا حقيقة لكنه واقع فعلا من حيث انهم يشتغلون به فكان فى حكم المذكور بدلالة قرينة الحال عليه من حيث اشتغالهم به ومن حيث ان الآية نزلت ردا لزعمهم ببيان ان التطهير المعتبر هو تطهير الله عباده لا تطهير اولادكم بغمسهم فى المعمودية وهى اسم ماء غسل به عيسى عليه السلام فمزجوه بماء آخر وكلما استعملوا منه جعلوا مكانه ماء آخر { ومن أحسن } مبتدأ وخبر والاستفهام فى معنى الجحد { من الله صبغة } نصب على التمييز من احسن منقول من المبتدأ والتقدير ومن صبغته احسن من صبغته تعالى فالتفضيل جار بين الصبغتين لا بين فاعليهما والمعنى أى شخص تكون صبغته احسن من صبغة الله فانه يصبغ عباده بالايمان ويطهرهم به من اوضار الكفر وانجاس الشرك فلا صبغة احسن من صبغته { ونحن له } اى لله الذى اولانا تلك النعمة الجليلة { عابدون } شكرا له ولسائر نعمه وتقدم الظرف للاهتمام ورعاية الفواصل وهو عطف على آمنا داخل تحت الامر وهو قولوا فاذا كان حرفة العبد العبادة فقد زين نفسه بصبغ حسن يزينه ولا يشينه وفى المثنوى

السابقالتالي
2