الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ }

{ واذا قيل لهم } من طرف المؤمنين بطريق الامر بالمعروف اثر نهيهم عن المنكر اتماماً للنصح واكمالا للارشاد فان كمال الايمان بمجموع الامرين الاعراض عما لا ينبغى وهو المقصود بقوله تعالىلا تفسدوا فى الأرض } الأعراف 56. والاتيان بما ينبغى وهو المطلوب بقوله تعالى { آمنوا } حذف المؤمن به لظهوره اى آمنوا بالله وباليوم الآخر او اريد افعلوا الايمان { كما آمن الناس } الكاف فى محل النصب على انه نعت لمصدر مؤكد محذوف اى آمنوا ايمانا مماثلا لايمانهم فما مصدرية او كافة اى حققوا ايمانكم كما تحقق ايمانهم. واللام فى الناس للجنس والمراد به الكاملون فى الانسانية العاملون بقضية العقل او للعهد والمراد به الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ومن معه او من آمن من اهل بلدتهم اى من اهل ضيعتهم كابن سلام واصحابه والمعنى آمنوا ايمانا مقرونا بالاخلاص متمحضا من شوائب النفاق مماثلا لايمانهم { قَالُوا } مقابلين للامر بالمعروف بالانكار المنكر واصفين للمراجيح الرزان بضد اوصافهم الحسان { انؤمن كما آمن السفهاء } الهمزة فيه للانكار واللام مشار بها الى الناس الكاملين او المعهودين او الى الجنس باسره وهم مندرجون فيه على زعمهم الفاسد والسفه خفة عقل وسخافة رأى يورثهما قصور العقل ويقابله الحلم والاناه وانما نسبوهم اليه مع انهم فى الغاية القاصية من الرشد والرزانة والوقار لكمال انهماك انفسهم فى السفاهة وتماديهم فى الغواية وكونهم ممن زين له سوء عمله فرآه حسنا فمن حسب الضلال هدى يسمى الهدى لا محالة ضلالا او لتحقير شأنهم فان كثير من المؤمنين كانوا فقراء ومنهم موالى كصهيب وبلال او للتجلد وعدم المبالاة بمن آمن منهم على تقدير كون المراد بالناس عبد الله بن سلام وامثاله فان قيل كيف يصح النفاق مع المجاهرة بقوله { أنؤمن كما آمن السفهاء } قلنا فيه اقوال * الاول ان المنافقين لعنهم الله كانوا يتكلمون بهذا الكلام فى انفسهم دون ان ينطقوا به بألسنتهم لكن هتك الله تعالى استارهم واظهر اسرارهم عقوبة على عداوتهم وهذا كما ظهر ما اضمره اهل الاخلاص من الكلام الحسن وان لم يتكلموا به بالألسن تحقيقا لولا يتهم قال الله تعالىيوفون بالنذر } الإنسان 7. الى ان قالإنما نطعمكم لوجه الله } الإنسان 9 وكان هذا فى قلوبهم فاظهره الله تعالى تشريفا لهم وتشهيرا لحالهم هذا قول صاحب التيسير. والثانى ان المنافقين كانوا يظهرون هذا القول فيما بينهم لا عند المؤمنين فاخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بذلك هذا قول البغوى. والثالث قول ابى السعود فى الارشاد حيث قال هذا القول وان صدر عنهم بمحضر من المؤمنين الناصحين لهم جوابا عن نصيحتهم لكن لا يقتضى كونهم مجاهرين لا منافقين فانه ضرب من الكفر أنيق وفن فى النفاق عريق لانه محتمل للشر كما ذكر فى تفسيره وللخير بان يحمل على ادعاء الايمان كأيمان الناس وانكار ما اهتموا به من النفاق على معنى أنؤمن كما آمن السفهاء والمجانين الذين لا اعتداد بايمانهم لو آمنوا ولا نؤمن كايمان الناس حتى تأمرون بذلك قد خاطبوا به الناصحين استهزاء بهم مرائين لارادة المعنى الاخير وهم يقولون على الاول فرد عليهم ذلك بقوله عز وجل { الا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون } انهم هم السفهاء ولا يحيطون بما عليهم من داء السفه والمؤمنون بايمانهم واخلاصهم هربوا من السفه وغبوا فى العلم والحق وهم العلماء على الحقيقة والمستقيمون على الطريقة وهذا رد ومبالغة فى تجهيلهم فان الجاهل بجهله الجازم على خلاف ما هو الواقع اعظم ضلالة واتم جهالة من المتوقف المعترف بجهله فانه ربما يعذر وتنفعه الآيات والنذر.

السابقالتالي
2 3