الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

{ وإذ قال إبراهيم } اى واذكر يا محمد اذ دعا ابراهيم فقال يا { رب اجعل هذا } المكان وهو الحرم { بلدا آمنا } ذا امن يأمن فيه اهله من القحط والجدب والخسف والمسخ والزلازل والجنون والجذام والبرص ونحو ذلك من المثلات التى تحل بالبلاد فهو من باب النسب اى بلدا منسوبا الى الامن كلابن وتامر فانهما لنسبة موصوفهما الى مأخوذهما كأنه قيل لبنىّ وتمرىّ فالاسناد حقيقى او المعنى بلدا آمنا اهله فيكون من قبيل الاسناد المجازى لان الامن الذى هو صفة لاهل البلد حقيقة قد اسند الى مكانهم للملابسة بينهما وكان هذا الدعاء فى اول ما قدم ابراهيم عليه السلام مكة لانه لاما اسكن اسماعيل وهاجر هناك وعاد متوجها الى الشام تبعته هاجر فجعلت تقول الى من تكلنا فى هذا البلقع اى المكان الخالى من الماء والنبات وهو لا يرد عليها جوابا حتى قالت آلله امرك بهذا فقال نعم قالت اذا لا يضيعنا فرضيت ومضى حتى اذا استوى على ثنية كداء اقبل على الوادى فقالربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع } إبراهيم 37 الى آخر الآية. { وارزق أهله من الثمرات } البقرة 126. جمع ثمرة وهى المأكولات مما يخرج من الارض والشجر فهو سؤال الطعام والفواكه وقيل هى الفواكه وانما خص هذا بالسؤال لان الطعام المعهود مما يكون فى كل موضع واما الفواكه فقد تندر فسأل لاهله الامن والسعة مما يطيب العيش ويدوم فاستجاب له فى ذلك لما روى انه لما دعا هذا الدعاء امر الله جبريل بنقل قرية من قرى فلسطين كثيرة الثمار اليها فاتى فقلعها وجاء بها وطاف بها حول البيت سبعا ثم وضعها على ثلاث مراحل من مكة وهى الطائف ولذلك سميت به ومنها اكثر ثمرات مكة ويجئ اليه ايضا من الاقطار الشاسعة حتى انه يجتمع فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية فى يوم واحد { من آمن منهم بالله واليوم الآخر } بدل من اهله والمعنى وارزق المؤمنين خاصة { قال } الله تعالى { ومن كفر } معطوف على محذوف اى ارزق من آمن ومن كفر قاس ابراهيم عليه الصلاة والسلام الرزق على الامامة حيث سأل الرزق لاجل المؤمنين خاصة كما خص الله تعالى الامامة بهم فى قوله تعالىلا ينال عهدى الظالمين } البقرة 124. فلما رد سؤاله الامامة فى حق ذريته على الاطلاق حسب ان يرد سؤاله الرزق فى حق اهل مكة على الاطلاق فلذلك قيد بالايمان تأدبا بالسؤال الاول فنبه سبحانه على ان الرزق رحمة دنيوية تعم المؤمن والكافر بخلاف الامامة والتقدم { فأمتعه } اى امد له ليتناول من لذات الدنيا اثباتا للحجة عليه { قليلا } اى تمتيعا قليلا فان الدنيا بكليتها قليلة وما يتمتع الكافر به منها قليل من القليل فان نعتمه تعالى فى الدنيا وان كانت كثيرة باضافة بعضها الى بعض فانها قليلة باضافتها الى نعمة الآخرة وكيف لا يقل ما يتناهى بالاضافة الى ما لا يتناهى فقليلا صفة مصدر محذوف ويجوز ان يكون صفة ظرف محذوف اى امتعه زمانا قليلا وهو مدة حياته { ثم أضطره إلى عذاب النار } الاضطرار فى اللغة حمل الانسان على ما يضره وهو فى المتعارف حمل الانسان بكفره على ان يفعل ما اكره عليه باختياره ترجيحا لكونه اهون الضررين فلا شىء أشد من عذاب النار حتى يكره الكفار به ليختاروا عذاب النار لكونه أهون منه فلا يكون اضطرارهم الى عذاب النار مستعملا فى معناه العرفى فهو مستعار للزهم والصاقهم به بحيث يتعذر عليهم التخلص منه كما قال تعالى

السابقالتالي
2 3