الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

{ ولله المشرق والمغرب } يريد بهما ناحيتى الارض اذ لا وجه لارادة موضعى الشروق والغروب بخصوصهما اى له الارض كلها لا يختص به من حيث الملك والتصرف ومن حيث المحلية لعبادته مكان منها دون مكان فان منعتم ان تصلوا فى المسجد الحرام او الاقصى فقد جعلت لكم الارض مسجدا { فأينما تولوا } اى ففى اى مكان فعلتم تولية وجوهكم القبلة. قال الامام ولى اذا اقبل وولى اذا ادبر وهو من الاضداد والمراد ههنا الاقبال { فثم وجه الله } اى هناك جهته التى امر بها ورضيها قبلة فان امكان التولية غير مختص بمسجد دون مسجد او مكان دون آخر او فثمة ذاته بمعنى الحضور العلمى فيكون الوجه مجازا من قبيل اطلاق اسم الجزء على الكل والمعنى ففى أى مكان فعلتم التولية فهو موجود فيه يمكنكم الوصول اليه اذ ليس هو جوهرا او عرضا حتى يكون بكونه فى جانب مفرغا جانبا ولما امتنع عليه ان يكون فى مكان اريد ان علمه محيط بما يكون فى جميع الاماكن والنواحى اى فهو عالم بما يفعل فيه ومثيب لكم على ذلك وفى الحديث " لو انكم دليتم بحبل الى الارض السفلى لهبط على الله ". معناه ان علم الله شمل جميع الاقطار فالتقدير لهبط على علم الله والله تعالى منزه عن الحلول فى الاماكن لانه كان قبل ان يحدث الاماكن كذا فى المقاصد الحسنة. واعلم ان اين شرط فى الامكنة وهو ههنا منصوب بتولوا وما مزيدة للتأكيد وثم ظرف مكان بمنزلة هناك تقول لما قرب من المكان هنا ولما بعد ثم وهناك وهو خبر مقدم ووجه الله مبتدأ والجملة فى محل الجزم على انها جواب الشرط { ان الله واسع } باحاطته بالاشياء ملكا وخلقا فيكون تذييلا لقوله ولله المشرق والمغرب وكذا ان فسرت السعة بسعة الرحمة فان قوله ولله المشرق والمغرب لما اشتمل على معنى قولنا لا تختص العبادة والصلاة ببعض المساجد بل الارض كلها مسجد لكم فصلوا فى اي بقعة شئتم من بقاعها فهم منه انه واسع الشريعة بالترخيص والتوسعة على عباده فى دينهم لا يضطرهم الى ما يعجزون عن ادائه والمقصود التوسعة على عباده والتيسير عليهم فى كل ما يحتاجون اليه فيدخل فيه التوسعة فى امر القبلة دخولا اولويا وهذا التعميم مستفاد من اطلاق واسع حيث لم يقيد بشئ دون شئ. قال الغزالى فى شرح الاسماء الحسنى الواسع مشتق من السعة والسعة تضاف مرة الى العلم اذا اتسع واحاط بالمعلومات الكثيرة وتضاف اخرى الى الاحسان وبسط النعم وكيفما قدر وعلى اى شئ نزل فالواسع المطلق هو الله تعالى لانه ان نظر الى علم فلا ساحل لبحر معلوماته بل تنفد البحار لو كانت مداداً لكلماته وان نظر الى احسانه ونعمه فلا نهاية لمقدوراته وكل سعة وان عظمت فتنتهى الى طرف والذى لا يتناهى الى طرف فهو أحق باسم السعة والله تعالى هو الواسع المطلق لان كل واسع بالاضافة الى ما هو أوسع منه ضيق وكل سعة تنتهى الى طرف فالزيادة عليها متصورة وما لا نهاية له ولا طرف فلا يتصور عليه زيادة وسعة العبد فى معارفه واخلاقه فان كثرت علومه فهو واسع بقدر سعة علمه وان اتسعت اخلاقه حتى لم يضيقها خوف الفقر وغيظ الحسود وغلبة الحرص وسائر الصفات المذمومة فهو واسع وكل ذلك فهو الى نهاية وانما الواسع المطلق هو الله تعالى قال فى المنثوى

السابقالتالي
2 3 4