الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

{ ومن أظلم } سبب النزول ان ططيوس الرومى ملك النصارى واصحابه عزوا بنى اسرائيل فقتلوا مقاتليهم وسبوا ذراريهم واحرقوا التوراة وخربوا بيت المقدس وقذفوا فيه الجيف وذبحوا فيه الخنازير ولم يزل خرابا حتى بناه اهل الاسلام فى ايام عمر بن الخطاب رضى الله عنه وذلك لما استولى عمر رضى الله عنه على ولاية كسرى وغنم اموالهم عمر بها بيت المقدس ثم صار فى ايدى النصارى من الافرنج اكثر من مائة سنة حتى فتحه واستخلصه الملك الناصر صلاح الدين من آل ايوب سنة خمسمائة وخمس وثمانين بعد الهجرة ومن فى الاصل كلمة استفهام وهى ههنا بمعنى النفى اى لا احد اظلم { ممن منع مساجد الله } المراد بيت المقدس وصيغة الجمع لكون حكم الآية عاما لكل من فعل ذلك فى اى مسجد كان كما تقول لمن آذى صالحا واحدا ومن اظلم ممن آذى الصالحين لانه لا عبرة لخصوص السبب { أن يذكر فيها اسمه } ثانى مفعولى منع فانه يقتضى ممنوعا وممنوعا عنه فتارة يتعدى اليهما بنفسه كما فى قولك منعته الامر وتارة يتعدى الى الاول بنفسه والى الثانى بحرف الجر وهو كلمة عن او من مذكورة كانت كما فى قولك منعته من الامر او محذوفة كما فى الآية اى من ان يسبح ويقدس ويصلى له فيها { وسعى } اى عمل { فى خرابها } بالهدم والخراب اسم للتخريب كالسلام اسم للتسليم واصله الثلم والتفريق { اولئك } المانعون { ما كان لهم ان يدخلوها الا خائفين } اى ما كان ينبغى لهم ان يدخلوها الا بخشية وخضوع فضلا عن الاجتراء على تخريبها { لهم فى الدنيا خزى } اى خزى فظيع لا يوصف كالقتل والسبى فى حق اهل الحرب والاذلال بضرب الجزية فى حق اهل الذمة او هو فتح مدائنهم قسطنطينية ورومية وعمورية { ولهم فى الآخرة عذاب عظيم } وهو عذاب النار الذى لا ينقطع لما ان سببه ايضا وهو ما حكى من ظلمهم كذلك فى العظم وقيل نزلت الآية فى مشركى العرب الذين منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء الى الله تعالى بمكة والجأوه الى الهجرة فصاروا بذلك مانعين له عليه السلام ولاصحابه ان يذكروا الله فى المسجد الحرام وايضا انهم صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه عن المسجد الحرام حين ذهب اليه من المدينة عام الحديبية وهى السنة السادسة من الهجرة والحديبية موضع على طريق مكة فعلى هذا يكون المسجد الذى نزلت الآية فيه المسجد الحرام فالمراد بالخراب فى قوله وسعى فى خرابها تعطيلهم المسجد الحرام عن الذكر والعبادة دون تخريبه وهدمه حقيقة وجعل تعطيل المسجد عنهما تخريبا له لان المقصود من بنائه انما هو الذكر والعبادة فيه فما دام لم يترتب عليه هذا المقصود من بنائه صار كأنه هدم وخرب او لم يبن من اصله فان عمارة المسجد كما تكون ببنائه واصلاحه تكون ايضا بحضوره ولزومه يقال فلان يعمر مسجد فلان اذا كان يحضره ويلزمه ويقال لسكان السموات من الملائكة عمارها قال النبى صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2