الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } * { أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ }

{ واذا قيل لهم } اى قال المسلمون لهؤلاء المنافقين { لا تفسدوا فى الارض } اسناد قيل الى لا تفسدوا اسناد له الى لفظه كانه قيل واذا قيل لهم هذا القول كقولك الف ضرب من ثلاثة احرف. والفساد خروج الشئ عن الاعتدال والصلاح ضده وكلاهما يعمان كل ضار ونافع والفساد فى الارض تهيج الحروب والفتن المستتبعة لزوال الاستقامة عن احوال العباد واختلال امر المعاش والمعاد والمراد بما نهوا عنه ما يؤدى الى ذلك من افشاء اسرار المؤمنين الى الكفار واغرائهم عليه وغير ذلك من فنون الشرور فلما كان ذلك من صنيعهم مؤديا إلى الفساد قيل لا تفسدوا كما يقول الرجل لا تقتل نفسك بيدك ولا تلق نفسك فى النار اذا اقدم على ما هذه عاقبته وكانت الارض قبل البعثة يعلن فيها بالمعاصى فلما بعث الله النبى صلى الله عليه وسلم ارتفع الفساد وصلحت الارض فاذا اعلنوا بالمعاصى فقد افسدوا فى الارض بعد اصلاحها كما فى تفسير ابى الليث { قالوا انما نحن مصلحون } جواب لاذا ورد للناصح على سبيل المبالغة والمعنى انه لا يصلح مخاطبتنا بذلك فان شاننا ليس الا الاصلاح وان حالنا متمحضة عن شوائب الفساد وانما قالوا ذلك الفهم تصوروا الفساد بصورة الصلاح لما فى قلوبهم من المرض كما قال الله تعالىأفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا } فاطر 8. فانكروا كون ذلك فسادا وادعوا كونه اصلاحا محضا وهو من قصر الموصوف على الصفة مثل انما زيد منطلق. قال ابن التمجيد ان المسلمين لما قالوا لهم لا تفسدوا توهموا ان المسلمين ارادوا بذلك انهم يخلطون الافساد بالاصلاح فاجابوا بانهم مقصورون على الاصلاح لا يتجاوزون منه الى صفة الافساد فيلزم منه عدم الخلط فهو من باب قصر الافراد حيث توهموا ان المؤمنين اعتقدوا الشركة فاجابهم الله تعالى بعد ذلك بما يدل على القصر القلبى وهو قوله تعالى. { ألا } ايها المؤمنون اعلموا { انهم هم المفسدون } فانهم لما اثبتوا لانفسهم احدى الصفتين ونفوا الاخرى واعتقدوا ذلك قلب الله اعتقادهم هذا بان اثبت لهم ما نفوه ونفى عنهم ما اثبتوا والمعنى هم مقصورون على افساد انفسهم بالكفر والناس بالتعويق عن الايمان لا يتخطون منه الى صفة الاصلاح من باب قصر الشئ على الحكم فهم لا يعدون صفة الفساد والافساد ولا يلزم منه ان لا يكون غيرهم مفسدين ثم استدرك بقوله تعالى { ولكن لا يشعرون } انهم مفسدون للايذان بان كونهم مفسدين من الامور المحسوسة لكن لا حس لهم حتى يدركوه. قال الشيخ فى تفسيره ذكر الشعور بازاء الفساد اوفق لانه كالمحسوس عادة ثم فيه بيان شرف المؤمنين حيث تولى الله جواب المنافقين عما قالوه للمؤمنين كما كان فى حق المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم فان الوليد بن المغيرة قال له انه مجنون فنفاه الله عنه بقوله

السابقالتالي
2