الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

{ ما يود الذين كفروا } كان فريق من اليهود يظهرون للمؤمنين محبة ويزعمون انهم يودون لهم الخير فنزل تكذيبا لهم. والود حب الشئ مع تمنيه ونفى الود كناية عن الكراهة اى ما يحب الذين كفروا { من اهل الكتاب ولا المشركين } من للتبيين لان الذين كفروا جنس تحته نوعان اهل الكتاب والمشركون فكأنه قيل ما يود الذين كفروا وهم اهل الكتاب والمشركون فبين ان الذين كفروا باق على عمومه وان المراد كلا نوعيه جميعا والمعنى ان الكفار جميعا لم يحبوا { ان ينزل عليكم } اى على نبيكم لان المنزل عليه منزل على امته { من خير } هو قائم مقام فاعله ومن مزيدة لاستغراق الخير والخير الوحى والقرآن والنصرة { من ربكم } من لابتداء الغاية والمعنى انهم يرون انفسهم احق بان يوحى اليهم فيحسدونكم ويكرهون ان ينزل عليكم شئ من الوحى اما اليهود فبناء على انهم اهل الكتاب وابناء الانبياء الناشئون فى مهابط الوحى وانتم اميون واما المشركون فادلالا بما كان لهم من الجاه والمال زعما منهم ان رياسة الرسالة كسائر الرياسات الدنيوية منوطة بالاسباب الظاهرة ولذا قالوالولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } الزخرف 31. وهم كانوا يتمنون ان تكون النبوة فى احد الرجلين نعيم بن مسعود الثقفى بالطائف والوليد بن المغيرة بمكة ثم اجاب عن قول من يقول لم لم ينزل عليهم بقوله { والله يختص برحمته من يشاء } يقال خصه بالشئ واختصه به اذا افرده به دون غيره ومفعول من يشاء محذوف. والرحمة النبوة والوحى والحكمة والنصرة والمعنى يفرد برحمته من يشاء افراده بها ويجعلها مقصورة عليه لاستحقاقه الذاتى الفائض عليه بحسب ارادته عز وجل لا تتعداه الى غيره لا يجب عليه شئ وليس لاحد عليه حق وما وقع فى عبارة مشايخنا فى حق بعض الاشياء انه واجب فى الحكمة يعنون به انه ثابت متحقق لا محالة فى الوجود لا يتصور ان لا يكون لا انه يجب ذلك بإيجاب موجب { والله ذو الفضل العظيم } اى على من يختاره بالنبوة والوحى لابتدائه بالاحسان بلا علة وهو حجة لنا على المعتزلة فان المفضل عند الخلق هو الذى يعطى ويبذل ما ليس عليه لان الذى يعطى ما عليه يكون قاضيا لا مفضلا ولو كان يجب عليه فعل الاصلح لكان المناسب ان يكون ذو العدل بدل قوله ذو الفضل ثم فيه اشعار بان ايتاء النبوة من الفضل وان حرمان بعض عباده ليس لضيق فضله بل لمشيئته وما عرف فيه من حكمته فمن تعرض لرد ما من الله به على عباده المؤمنين فقد جهل بحقيقة الامر. وعباد الله المخلصون قسمان قوم اقامهم الحق لخدمته وهم العباد والزهاد واهل الاعمال والاوراد وقوم اختصهم بمحبته وهم اهل المحبة والوداد وكل فى خدمته وتحت طاعته اذ كلهم قاصد وجهه ومتوجه اليه والعبودية صفة العبد لا تفارقه ما دام حيا ومن حقائق العبودية اخراج الحسد من القلب.

السابقالتالي
2