الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }

{ فى قلوبهم مرض فزادهم الله } زاد يجيئ متعدي كما فى هذه الآية ولازما كما فى قوله تعالىفأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } الصافات 147. والمرض حقيقة فيما يعرض للبدن فيخرجه عن الاعتدال اللائق به ويوجب الخلل فى افاعليه ويؤدىالى الموت ومجاز فى الاعراض النفسانية التى تخل بكمالها كالجهل وسوء العقيدة والحسد والضغينة وحب المعاصى وغير ذلك من فنون الكفر المؤدى الى الهلاك الروحانى لانها مانعة عن نيل الفضائل او مؤدية الى زوال الحياة الحقيقة الابدية والآية الكريمة تحتملها فان قلوبهم كانت متألمة تحرفا على مافات عنهم من الرياسة وحسدا على ما يرون من ثبات أمد الرسول عليه السلام واستعلاء شأنه يوما فيوما فزاد الله غمهم بما زاد فى اعلاء امره ورفع قدره وان نفوسهم كانت مؤوفة بالكفر وسوء الاعتقاد ومعاداة النبى عليه السلام ونحوها فزاد الله ذلك بان طبع على قلوبهم لعلمه تعالى بانه لا يؤثر فيها التذكير والانذار وبازدياد التكاليف الشرعية وتكرير الوحى وتضاعف النصر لانهم كلما ازداد التكاليف بنزول الوحى يزدادون كفرا وقد كان يشق عليهم التكلم بالشهادة فكيف وقد لحقتهم الزيادات وهى وظائف الطاعات ثم العقوبة على الجنايات فازدادوا بذلك اضطرابا على اضطراب وارتيابا على ارتياب ويزدادون بذلك فى الآخرة عذابا على عذاب قال تعالىزدناهم عذابا فوق العذاب } النحل 88. والمؤمنون لهم فى الدنيا ما قال { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } وفى العقبى ما قال { ويزيدهم من فضله }. قال القطب العلامة امراض القلب اما متعلقة بالدين وهو سوء الاعتقاد والكفر او بالاخلاق وهى اما رذائل فعلية كالغل والحسد واما رذائل انفعالية كالضعف والجبن فحمل المرض اولا على الكفر ثم على الهيآت الفعلية ثم على الهيآت الانفعالية ويحتمل ان يكون قوله تعالى { فزادهم الله } دعاء عليهم * فان قلت فكيف يحمل على الدعاء والدعاء للعاجز عرفا والله تعالى منزه عن العجز قلت هذا تعليم من الله عباده انه يجوز الدعاء على المنافقين والطرد لهم لانهم شر خلق الله لانه اعد لهم يوم القيامة الدرك الاسفل من النار وهذا كقوله تعالىقاتلهم الله } التوبة 30ولعنهم الله } التوبة 68 { ولهم } فى الآخرة { عذاب اليم } يصل المه الى القلوب وهو بمعنى المؤلم بفتح اللام على انه اسم مفعول من الايلام وصف به العذاب للمبالغة وهو فى الحقيقة صفة المعذب بفتح الذال المعجمة كما ان الجد للجاد فى قولهم جدجده وجه المبالغة افادة ان الالم بلغ الغاية حتى سرى المعذب الى العذاب المتعلق به { بما كانوا يكذبون } الباء للسببية او للمقابلة وما مصدرية داخلة فى الحقيقة على يكذبون وكلمة كانوا مقحمة لافادة دوام كذبهم وتجدده اى بسب بكذبهم المتجدد المستمر الذى هو قولهم آمنا الخ وفيه رمز الى قبح الكذب وسماجته وتخييل ان العذاب الاليم لاحق بهم من اجل كذبهم نظرا الى ظاهر العبارة المتخيلة لانفراده بالسببية مع احاطة علم السامع بان لحوق العذاب بهم من جهات شتى وان الاقتصار عليه للاشعار بنهاية قبحه والتنفير عنه.

السابقالتالي
2 3