الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً }

{ انهم } اى ليبالغ فى التلطف وعدم الاشعار لانهم { ان يظهروا عليكم } اى يطلعوا عليكم ويظفروا بكم والضمير للاهل المقدر فى ايها { يرجموكم } يقتلوكم بالرحم وهو الرمى بالحجارة ان ثبتم على ما أنتم عليه وهو اخبث القتلة وكان من عادتهم { او يعيدوكم فى ملتهم } اى يصيروكم الى ملة الكفر او يدخلوكم فيها كرها من العود بمعنى الصيرورة كقوله تعالى { او لتعودن فى ملتنا } وقيل كانوا اولا على دينهم قآمنوا. يقول الفقير هذا هو الصواب لقوله تعالى { انهم فتية آمنوا بربهم } وذلك لانه لو لم يكن ايمانهم حادثا لقيل انهم فتية مؤمنون وايثار كلمة فى على كلمة الى للدلالة على الاستقرار الذى هو اشد شئ عندهم كراهة { ولن تفلحوا اذا } اى ان دخلتم فيها ولو بالكره والالجاء لن تفوزوا بخير { ابدا } لا فى الدنيا ولا فى الآخرة لانكم وان اكرهتم ربما استدرجكم الشيطان بذلك الى الاجابة حقيقة والاستمرار عليها. وفى التأويلات النجمية العجب كل العجب انهم لما كانوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين فى مقام عندية الحق خارجين عن عنديتهم ما احتاجوا الى طعام الدنيا وقد استغنوا عن الغذاء الجسمانى بما نالوا من الغذاء الروحانى كما كان حال النبى صلى الله عليه وسلم يواصل الايام ويقول " ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى " فلما رجعوا من عندية الحق الى عندية نفوسهم قالوا { فابعثوا } الخ ففى طلبهم ازكى طعاما اشارة الى ان ارباب الوصول واصحاب المشاهدة لما شاهدوا ذلك الجمال والبهاء وذاقوا طعم الوصال وجدوا حلاوة الانس وملاطفات الحبيب فاذا رجعوا الى عالم النفوس تطالبهم الارواح والقلوب باغذيتهم الروحانية فيتعللون بمشاهدة كل جميل لان كل جمال من جمال الله وكل بهاء من بهاء الله ويتوصلون بلطافة الاطعمة الى تلك الملاطفات كما قالوافليأتكم برزق منه وليتلطف } اى فى الطعامولا يشعرن بكم احدا } وفيه اشارة الى الاحتراز عن شعور اهل الغفلة باحوال ارباب المحبة فان لهم فى النهاية احوالا كأنها كفر عند اهل البداية كما قال ابو عثمان المغربى قدس سره ارفاق العارفين باللطف وارفاق المريدين بالعنف { انهم ان يظهروا عليكم } يعنى اهل الغفلة { يرجموكم } بالملامة فيما يشاهدون منك يا اهل المعرفة من وسعة الولاية وقوتها واستحقاق التصرف فى الكونين وانعدام تصرفهما فيكم فانهم بمعزل عن بصيرة يشاهدون بها احوالكم فمن قصر نظرهم يطعنون فيكم.
عشق درهر دل كه سازد بهر دردت خانه اول از سنك ملامت افكند بنيادوا   
{ أو } يريدون ان { يعيدوكم فى ملتهم } وهى عبادة اصنام الهوى وطواغيت شهوات الدنيا وزينتها فان رجعتم اليها فلن تفلحوا اذا ابدا. يقول الفقير اعلم انه لا يخلو الاعصار من مثل دقيانوس الجبار صورة ومعنى فمن اراد السلامة فى بدنه ودينه وعمله واعتقاده وعرضه فليجدها فى الوحدة والاعتزال عن الناس والايواء الى كهف البيت والذهول عن احوال الناس صغيرهم وكبيرهم رفيعهم ووضيعهم كالنائم فانه مسلوب الحس لا يدرى ما الدنيا وما فيها لغموض العينين لا يفرق بين سواد وبياض وان ادعى احد انه بحر لا يتغير فذلك غرور محض لان عدم التغير لا يحصل الا للمنتهى ففى الاختلاط ضرر كثير وهو كالرضاع يغير الطباع وغايته موافقة اهل الهوى طوعا او كرها نعوذ بالله من ذلك ونسأله الحفظ من الوقوع فى المهالك ونرجو منه الفلاح الابدى والخلاص السرمدى.