الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً }

{ واذ قلنا لك } واذكر اذ اوحينا اليك { ان ربك احاط بالناس } اى علما وقدرة فهم فى قبضته فامض لامرك ولا تخف احدا. قال بعض الكبار احاطة الله سبحانه عند العارفين بالموجودات كلها عبارة عن تجليه بصورة الموجودات فهو سبحانه باحدية جميع اسمائه سار فى الموجودات كلها ذاتا وحياة وعلما وقدرة الى غير ذلك من الصفات والمراد باحاطته تعالى هذه السراية ولا يعزب عنه ذرة فىالسموات والارض وكل ما يعزب عنه يلتحق بالعدم وقالوا هذه الاحاطة ليست كاحاطة الظرف بالمظروف ولا كاحاطة الكل بأجزاءه بل كاحاطة الملزوم بلازمه فان التعينات اللاحقة لذاته الملطقة انما هى لوازم له بواسطة او بغير واسطة وبشرط او بغير شرط ولا تقدح كثرة اللوازم فى وحدة الملزوم ولا تنافيها { وما جعلنا الرؤيا التى اريناك الا فتنة للناس } المراد بالرؤيا ما عاينه عليه السلام ليلة المعراج من عجائب الارض والسماء والتعبير عن ذلك بالرؤيا اما لانه لا فرق بينه وبين الرؤية كما فى الكواشى الرؤيا تكون نوما ويقظة كالرؤية اولانها وقعت بالليل ونقضت بالسرعة كأنها منام او لان الكفرة قالوا لعلها رؤيا فتسميتها رؤيا على قول المكذبين. قال فى الحواشى السعدية قد يقال تسميتها رؤيا على وجه التشبيه والاستعارة لما فيها من الخوارق التى هى بالمنام اليق فى مجارى العادات انتهى. اى وما جعلنا الرؤيا التى اريناكها ليلة الاسراء عيانا مع كونها آية عظيمة حقيقة بان لا يتلعثم فى تصديقها احد ممن له ادنى بصيرة الا فتنة افتتن بها الناس حتى ارتد بعضهم { والشجرة الملعونة فى القرآن } عطف على الرؤيا والمراد بلعنها فيه لعن طاعمها على الاسناد المجازى او ابعادها عن الرحمة فان تلك الشجرة التى هى الزقوم تنبت فى اصل الجحيم فى ابعد مكان من الرحمة اى وما جعلناها الا فتنة لهم حيث انكروا ذلك وقالوا ان محمدا يزعم الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول ينبت فيها الشجرة ولقد ضلوا فى ذلك ضلالا بعيدا حيث كابروا قضية عقولهم فانهم يرون النعامة تبتلع الجمر وقطع الحديد المحماة فلا يضرها ويشاهدون المناديل المتخذة من وبر السمندل تلقى فى النار ولا تؤثر فيها. قال الكاشفى وعجب ازايشان بودكه ازدرخت سبزآتش ميكر فتند كما قال تعالىجعل لكم من الشجرة الاخضر نارا } وهيج فكر نمى كردندكه آتش در درخت وديعت نهد جه عجب كه درخت درآتش بروياند وهو المرخ والعفار يوجدان فى اغلب بوادى العرب يقطع الرجل منهما غصنين مثل السواكين وهما اخضران يقطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار وهو انثى فنتقدح النار باذن الله تعالى { ونخوفهم } بذلك وبنظائره من الآيات فان الكل للتخويف { فما يزيدهم } التخويف { الا طغيانا كبيرا } عتوا متجاوزا عن الحد فلو انا ارسلنا بما اقترحوه من الآيات لفعلوا بها ما فعلوا بنظائرها وفعل بهم ما فعل باشياعهم وقد قضينا بتأخير العقوبة العامة لهذه الامة الى الطامة الكبرى.

السابقالتالي
2