الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأَيٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

{ ألم يروا الى الطير } تقرير لمن ينظر اليهن وتعجيب من شأنهن. والطير جمع طائر اى ألم ينظروا اليها ليستدلوا بها على قدرة الله تعالى { مسخرات } مذللات للطيران بما خلق لها من الاجنحة والاسباب المساعدة له. وفيه مبالغة من حيث ان التسخير جعل الشئ منقاد اللآخر يتصرف فيه كيف يشاء كتسخير البحر والفلك والدواب للانسان والواقع هنا تسخير الهواء للطير لتطير فيه كيف تشاء فكان مقتضى طبيعة الطير السقوط فسخرها الله للطيران. وفيه تنبيه على ان الطيران ليس بمقتضى طبع الطير بل ذلك بتسخير الله تعالى وكذا احراق النار واهلاك البرد ليسا بذاتهما بل بتأثير الله تعالى وعلى هذا { فى جوّ السماء } فى الهواء غير متباعد من الارض واضافته الى السماء لما انه فى جانبها من الناظر. قال فى القاموس الجو الهواء { ما يمسكهن } فى الجو عن السقوط حين قبض اجنحتهن وبسطتها ووقوفهن { الا الله } بقدرته الواسعة وتدبيره لهن من الريوش الكبار والصغار فان ثقل جسدها ورقة قوام الهواء يقتضيان سقوطها ولا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها تمسكها والهواء للطائر كالماء للسابح فهو يقبض يديه ويبسطها ولا يغرق مع ثقل جسده ورقة الماء واعجب من ذلك وادل فيه على القدرة الباهرة تعشيش بعض الطير فى الهواء ومن اخبار الرشيد انه خرج يوما للصيد فارسل بازا اشهب فلم يزل يعلو حتى غاب فى الهواء ثم رجع بعد اليأس منه ومعه سمكة فاحضر الرشيد العلماء وسألهم عن ذلك فقال مقاتل يا امير المؤمنين روينا عن جدك ابن عباس رضى الله عنهما ان الهواء معمور بامم مختلفة الخلق فيه دواب بيض تفرخ فيه شيئًا على هيئة السمك لها اجنحة ليست بذات ريش فاجاز مقاتلا على ذلك واكرمه. ومن ذلك الطير الابابيل التى رمت اصحاب الفيل بحجارة من سجيل وهى الطير السود على هيئة الخطاطيف. ومن ذلك ما يقال له بالفارسية هما فانه من سكان الهواء يبيض ويفرخ فيه وليس له رجل وهو فى جثة العقعق الا انه سكرى اللون ويوجد جسده بعد وفاته فى صحارى الهند. ومن عجائب الطيور الرخ بالضم وهو طير فى جزائر الصين يكون جناحة الواحد عشرة آلاف باع. قال فى القاموس هو طائر كبير يحمل الكركدان انتهى. وكان وصل الى المغرب رجل من التجار ممن سافر فى بحر الصين والقتهم الريح الى جزيرة عظيمة فخرج اليها اهل السفينة ليأخذوا الماء والحطب فرأوا قبة عظيمة اعلى من مائة ذراع لها لمعان وبريق فعجبوا منها فلما دنوا منها اذا هى بيضة الرخ فجعلوا يضربونها بالخشب والفوؤس والحجارة حتى انشقت عن فرخ كأنه جبل فتعلوا بريش جناحه فجروه فنفض جناحة فبقيت هذه الريشة معهم خرج اصلها من جناحة ولم يكمل بعد خلقه فقتلوه وحملوا ما قدروا عيله من لحمه فلما طلعت الشمس اذا الرخ قد اقبل فى الهواء كالسحابة العظيمة فى رجله قطعة حجر كالبيت العظيم اكبر من السفينة فلما حاذى السفينة القى ذلك الحجر بسرعة فوقع الحجر فى البحر وسبقت السفينة ونجاهم الله تعالى بفضله ورحمته كذا فى حياة الحيوان { ان فى ذلك } الذى ذكر من تسخير الطير للطيران بان خلقها خلقة يمكن معها الطيران بان جعل لها اجنحة خفيفة واذنابا كذلك وخلق الجوّ بحيث يمكن الطيران فيه وامساكها فى الهواء على خلاف طباعها { لآيات } نشانها ظاهرست { لقوم يؤمنون } اى من شأنهم ان يؤمنوا وانما خص ذلك بهم لانهم المنتفعون به حيث يطيرون فى الهواء المعرفة بجناح التفكر فيما ذكر ويصلون الى وكر الكرامة

السابقالتالي
2