الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } * { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

{ واوحى ربك } يا محمد { الى النحل } هو ذباب العسل وزنبوره اى الهمها وقذف فى قلوبها وعلمها بوجه لا يعلمه الا هو مثل قوله { بان ربك اوحى لها } والوحى يقع على كل تنبيه خفى والله تعالى ألهم كل حيوان ان يلتمس منافعه ويجتنب مضاره وقد الهم الله الغراب ان يبحث فى الارض ليرى قابيل كيف يوارى سوءة اخيه هابيل كما فى المثنوى
بس بجنكال اززمين انكيخت كرد زود زاغ مرده را دركور كرد دفن كردش بس بيوشيدش بخاك زاغ از الهام حق بد علمناك   
قال الزجاج سميت نحلا لان الله تعالى نحل الناس العسل الذى يخرج منها إذ النحلة العطية وكفاها شرفا قول الله تعالى { واوحى ربك الى النحل } وكل ذباب فى النار الا ذباب العسل قال فى عجائب المخلوقات يقال ليوم عيد الفطر يوم الرحمة وفي اوحى ربك الى النحل صنعة العسل. قال فى حياة الحيوان يحرم اكل النحل. وان كان العسل حلالا كالآدمية لبنها حلال ولحمها حرام ويكره قتلها واما بيعها فى الكوارة فصحيح ان يشاهد جميعها والا فهو بيع غائب فان باعها وهى ظاهرة. ففى التتمة يصح. وفى التهذيب عكسه. وقال ابو حنيفة لا يصح بيع النحل كالزنبور وسائر الحشرات ويجوز بيع دود القز من الذى يصنع به { ان اتخذى } لنفسك اى بان اتخذى فان مصدرية وصيغة التأنيث لان النحل يذكر ويؤنث { من الجبال } ازشكاف كوهها { بيوتا } خانه هاى مسدس اى مساكن تأوى اليها وسمى ما تبينه لتعسل فيه بيتا تشبيها ببناء الانسان لما فى بيوته المسدسة المتساوية بلا بركار ومسطر من الحذاقة وحسن الصنعة التى لا يقوى عليها حذاق المهندسين الا بآلات وانظار دقيقة واختارت المسدس لانه اوسع من المثلث والمربع والمخمس ولا يبقى بينهما فرج خالية كما تبقى بين المدورات وما سواها من المضلعات ومن للتبعيض لانها لا تبنى فى كل جبل وكذا قوله { ومن الشجر } لانها لا تبنى فى كل شجر. والمعنى بالفارسية وازميان درخاتن نيز خانه كيريد يعنى در بعضى شجر جاى كنيد درجانب كوه وقتى كه مالكى وصاحبى نداشته باشد وكذا فى قوله { ومما يعرشون } لانها لا تبنى فى كل ما يعرشه الناس اى يرفعه من الاماكن لتعسل فيها وهذا اذا كان لملاك. وقال بعضهم ومما يعرشون من كرم أو سقف او جدران او غير ذلك ولما كان اهم شئ للحيوان بعد الراحة من هم المقيل الا كل ثنى به ولما كان عاما فى كل ثمر ذكره بحرف التراخى اشارة الى عجيب الصنع فى ذلك وتيسره لها فقال { ثم كلى } واشارة الى كثرة الرزق بقوله { من كل الثمرات } فهو للتكثير كقوله تعالى { وأوتيت من كل شيء } أو من كل الثمرات المشتهاة عندك من حلوها وحامضها ومرها وغير ذلك فهو عام مخصوص بالعادة { فاسلكى } جواب شرط محذوف اى فاذا اكلت الثمار فى المواضع البعيدة من بيوتك فادخلى { سبل ربك } فى الجبال وفى خلال الشجر اى طرق ربك التى الهمك وعرفك الرجوع فيها الى مكانك من الخلية بعد بعدك عنها حال كون السبل { ذللا } جمع ذلول اى موطأة للسلوك مسهلة وذلك انها اذا اجدب عليها ما حولها سافرت الى المواضع البعيدة فى طلب النجعة ثم ترجع الى بيوتها من غير التباس وانحراف واشارة باسم الرب الى انه لولا عظيم احسانه فى تربيتها لما اهدت الى ذلك وهذا كما يقال فى القطا وهو طائر معروف يضرب به المثل فى الهداية ويقال " اهدى من قطاة " وذلك انه يترك فراخه ثم يطلب الماء من مسيرة عشرة ايام واكثر فيرده فيما بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس ثم يرجع فلا يخطأ لا صادراً ولا وارداً اى ذهاباً واياباً كذا فى شرح الشفاء ثم اتبعه نتيجة ذلك جوابا لمن قال ماذا يكون من هذا كله فقال { يخرج من بطونها } اى بطون النحل بالقيئ { شراب } اى عسل لانه مشروب وذلك ان النحل تأكل الاجزاء اللطيفة الطلية الحلوة الواقعة على اوراق الاشجار والازهار وتمص من الثمرات الرطبة والاشياء العطرة ثم تقيئ فى بيوتها ادخارا للشتاء فينعقد عسلا باذن الله تعالى والى هذا اشار ظهير الفاريابى بقوله

السابقالتالي
2 3 4 5