الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } * { وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ }

{ قال } الله تعالى { فاخرج منها } امر اهانة وابعاد كما فى قوله تعالىقال فاذهب } والضمير للجنة وخروجه منها لا ينافى دخولها بطريق الوسوسة وكذا يستلزم خروجه من السموات ايضا ومن زمرة الملائكة المقربين ومن الخلقة التى كان عليها وهى الصورة الملكية وصفاتها كما هو شأن المطرودين المغضوبين وقد كان يفتخر بخلقته فغير الله خلقته فاسود بعد ما كان لبيض وقبح بعد ما كان حسنا واظلم بعد ما كان نورانيا. قال ابو القاسم الانصارى ان الله باين بين الملائكة والجن والانس فى الصور والاشكال فان قلب الله تعالى الملك الى بنية الانسان ظاهرا وباطنا خرج عن كونه ملكا وقس عليه غيره { فانك رجيم } من الرجم بالحجر اى الرمى به وهو كناية عن الطرد لان من يطرد يرجم بالحجارة على اثره اى مطرود من رحمة الله ومن كل خير وكرامة او من الرجم بالشهب وهو كناية عن كونه شيطانا اى من الشياطين الذين يرجمون بالشهب وهو وعيد يتضمن الجواب عن شبهته قال من عارض النص بالقياس فهو رجيم ملعون. { وان عليك اللعنة } الابعاد عن الرحمة وحيث كان من جهة الله تعالى وان كان جارياعلى السنة العباد وقيل فى سورة صوان عليك لعنتى } { الى يوم الدين } الى يوم الجزاء والعقوبة وفيه اشعار بتأخير عقابه وجزائه اليه وان اللعنة مع كمال فظاعتها ليست جزاء لفعله وانما يتحقق ذلك يومئذ وحد اللعن بيوم الدين لانه عليه اللعنة فى الدنيا فاذا كان يوم الدين اقترن له باللعنة عذاب ينسى عنده اللعنة. وفى التبيان هذا بيان للتأبيد لا للتوقيت كقوله { ما دامت السموات } فى التأبيد ويؤيده وقع اللعن فى ذلك اليوم كما قال تعالىفاذن مؤذن بينهم ان لعنة الله على الظالمين } وهو لعن مقارن بالعذاب الاليم نسأل الله الفوز والعاقبة وانما حكم عليه باللعنة لاستحقاقه لذلك بحسب الفطرة وفى الازل فكانت غذاءه الى ابد الآباد وفى المثنوى
كر جهان باغى براز نعمت شود قسم مور ومار هم خاكى بود كرم سركين درميان آن حدث در جهان نقلى نداند جز خبث   
وفيه اشارة الى ان ابليس النفس مأمور بسجود آدم الروح ومن دأبه وطبعه الاباء عن طاعة الله تعالى والاستكبار عن خليفة الله والامتناع عن سجوده وذلك فى بدء خلقتهما على فطرة الله التى فطر الناس عليها فلما امر ابليس بسجوده وابى قال { فاخرج منها } اى من فطرة الله المستعدة لقبول الكفر والايمان { فانك رجيم } مطرود عن جوارنا لانك قبلت الكفر دون الايمان { وان عليك اللعنة } وهى من نتائج صفات القهر اى مقهورا مبعدا عن مقام عبادنا المقبولين { الى يوم الدين } اى الى ان نولج ليل الدين فى نهار الدين وتطلع شمس شواهدنا من مشرق الروح وتصير ارض النفوس مشرقة بانوار الشواهد فتكون مطمئنة بها متبدلة صفاتها الذميمة الحيوانية المظلمة باخلاق الروحانية الحميدة النورانية المستحقة لخطاب ارجعى كما فى التأويلات النجمية