الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ }

{ والجان } ابا الجن. قال فى الروضة ابليس هو ابو الجن والجان اسم جمع للجن كما فى القاموس وسمى بذلك لانه يجن اى يستتر ويجوز ان يراد به الجنس كما هو الظاهر من الانسان لان تشعب الجنس لما كان من فرد واحد مخلوق من مادة واحدة كان الجنس باسره مخلوقا منها { خلقنا من قبل } من قبل خلق الانسان { من نار السموم } من نار الشديد الحر فان السموم فى اللغة الريح الحارة والريح الحارة بالليل وقد تكون بالنهار كما فى القاموس. وقيل سميت سموما لانها بلطفها تنفذ فى مسام البدن وهى ثقبه كالفم والمنخر والاذن. وقيل نار السموم نار لا دخان لها والصواعق تكون منها وهى نار بين السماء والحجاب فان احدث الله امرا خرقت الحجاب فهوت الى ما امرت فالهدة التى تسمعون خرق ذلك وقدم خلق الانسان على الجان مع انه خلق قبله تعظيما لشأنه واظهارا لفضله وكان بين خلق آدم والجن ستون الف سنة. واتفق اهل العلم من اهل التحقيق ان عالم الملك مقدم خلقة الى عالم الجان وعالم الجان مقدم على عالم الانسان وانتقل ملك الدنيا الى آدم ليحصل له الاعتبار بالسابقين ويظهر له الفضل على الكل بتأخيره عن جميع المخلوقات لانه كالخاتم على الباب وهو خاتم المخلوقات ونسخة الكليات من المحسوسات والمعقولات وبه تم كمال الوجود لتحققه بوصفى الجمال والجلال واللطف والقهر بخلاف الملك فانه مخلوق على جناح واحد وهو اللطف قال المولى الجامى
ملاتك را جه سود از حسن طاعت جو فيض عشق بر آدم فروريخت   
ولم يكن قبل آدم خلق من التراب فخلق آدم منه ليكون عبدا خضوعا وضوعا ذلولا مائلا الى السجود لانه مقام العبودية الكاملة فكل جنس يميل الى جنسه ولهذا تواضع آدم لله واستكبر ابليس عن التواضع فابى وعلا وتكبر فمال الى جنسه لانه خلق من نار. قال اهل الحكمة لا شك ان الله تعالى قادر خلق آدم ابتداء على هيئة خاصة من مادة خاصة وانما خلقه من تراب ثم من طين ثم من حمأ مسنون ثم من صلصال كالفخار اما المحض المشيئة الالهية التى هى محض الحكمة الجامعة او لما فيه من دلالة الملائكة ومصلحتهم ومصلحة الخلق لان خلق الانسان من هذه الامور اعجب من خلق الشيء من شكله وجنسه