الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ }

{ واذ قال ابراهيم } واذكر وقت قول ابراهيم فى مناجاته اى بعد الفراغ من بناء البيت { رب اجعل هذا البلد } اين شهر مكه را { آمنا } اهله بحيث لا يخاف فيه من المخاوف والمكاره كالقتل والغارة والامراض المنفرة من البرص والجذام ونحوهما فاسناد الامن الى البلد مجاز لوقوع الامن الا من فيه وانما الآمن فى الحقيقة اهل البلد { واجنبنى وبنى } يقال جنبته كنصرته واجنبته اى ابعدته. والمعنى بعدنى واياهم { ان نعبدالاصنام } واجعلنا منه فى جانب بعيد اى ثبتنا على ما كنا عليه من التوحيد وملة الاسلام والبعد عن عبادة الاصنام. قال بعضهم رأى القوم يعبدون الاصنام فخاف على بنيه فدعا. يقول الفقير الجمهور على ان العرب من عهد ابراهيم استمرت على دينه من رفض عبادة الاصنام الى زمن عمرو بن لحى كبير خزاعة فهو اول من غير دين ابراهيم وشرع للعرب الضلالات وهو اول من نصب الاوثان فى الكعبة وعبدها وامر الناس بعبادتها وقد كان اكثر الناس فى الارض المقدسة عبدة الاصنام وكان ابراهيم يعرفه فخاف سرايته الى كل بلد فيه واحد من اولاده فدعا فعصم اولاده الصلبية من ذلك وهى المرادة من قوله { وبنى } فانه لم يعبد احد منهم الصنم لا هى واحفاده وجميع ذريته وذلك لان قريشا مع كونهم من اولاد اسماعيل عبادتهم الاصنام مشهورة واما قوله تعالى فى حم الزخرفوجعلها كلمة باقية فى عقبه } فالصحيح ان هذا لا يستلزم تياعد جميع الاحفاد عن عبادة الاصنام بل يكفى فى بقاء كلمة التوحيد فى عقبه ان لا ينقرض قرن ولا ينقضى زمان الا وفى ذريته من هو من اهل التوحيد قلوا او كثروا الى زمان نبينا صلى الله عليه وسلم وقد اشتهر فى كتب السير ان بعض آحاد العرب لم يعبد الصنم قط ويدل عليه قوله عليه السلام " لا تسبوا مضر فانه كان على ملة ابراهيم " هذا ما لاح لى من التحقيق ومن الله التوفيق. وانما جمع الاصنام ليشتمل على كل صنم عبد من دون الله لان الجمع المعرف باللام يشمل كل واحد من الافراد كالمفرد باتفاق جمهور ائمة التفسير والاصول والنحو اى واجبنا ان نعبد احدا مما سمى بالصنم كما فى بحر العلوم وخصصها الامام الغزالى بالحجرين اى الذهب والفضة اذ رتبة النبوة اجل من ان يخشى فيها ان تعتقد الالهية فى شيء من الحجارة فاستعاذ ابراهيم من الاغترار بمتاع الدنيا. يقول الفقير الظاهر ان الامام الغزالى خصص الحجرين بالذكر بناء على انهما اعظم ما يضل الناس وقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاب الدراهم والدنانير بعبدة الحجارة فقال " تعس عبد الدراهم تعس عبد الدنانير " والا فكل ما هو من قبيل الهوى فهو صنم الا ترى الى قوله تعالى

السابقالتالي
2