الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ }

{ الذين يستحبون الحيوة الدنيا على الآخرة } محل الموصول الجر على انه بدل من الكافرين او صفة له. والاستحباب استفعال من المحبة. والمعنى يختارون الحياة الدينا ويؤثرونها على الحياة الآخرة الابدية فان المؤثر للشئ على غيره كأنه يطلب من نفسه ان يكون احل اليها وافضل عندها من غيره. قال ابن عباس رضى الله عنهما يأخذون ما تعجل فيها تهاونا بامر الآخرة وهذا من اوصاف الكافر الحقيقى فانه يجد ويجتهد فى طلب الدنيا وشهواتنا ويترك الآخرة باهمال السعى فى طلبها واحتمال الكلفة والمشقة فى مخالفة هوى النفس وموافقة الشرع فينبغى للمؤمن الحقيقى ان لا يرضى باسم الاسلام ولا يقنع بالايمان التقليدى فانه لا يخلو عن الظلمات بخلاف الايمان الحقيقى ان لا يرضى فانه نور محض وليس فيه تغيير اصلا
كى سبه كردد زآتش روى خوب كونهد كلكونه از تقوى القلوب   
{ ويصدون عن سبيل الله } اى ويمنعون الناس عن قبول دين الله. وفيه اشارة الى ان اهل الهوى يصرفون وجوه الطالبين عن طلب الله ويقطعون عليهم طريق الحق فى صورة النصيحة ويلومون الطلاب على ترك الدنيا والعزلة والعزوبة والانقطاع عن الخلق للتوجه الى الحق { ويبغونها } اى ويبغون لها فحذف الجار واوصل الفعل الى الضمير اى يطلبون لها { عوجا } زيغا واعوجاجا اى يقولون لمن يريدون صده واضلاله انها سبيل ناكبة وزائغة غير مستقيمة يعنى اين راه كج است وبمنزل مقصود نميرسد والزيغ الميل عن الصواب والنكوب والاعراض { اولئك } الموصوفون بالقبائح المذكورة { فى ضلال بعيد } اى ضلوا عن طريق الحق ووقعوا عنه بمراحل والبعد فى الحقيقة من احوال الضال لانه هو الذى يتباعد عن الطريق فوصف به فعله مجازا للمبالغة وفى جعل الضلال محيطا بهم احاطة الظرف بما فيه ما لا يخفى من المبالغة وليس فى طريق الشيطان فوق من هو ضال ومضل كما انه ليس فى طريق الرحمن فوق من هو مهتد وهاد وقد اشير الى كليهما فى الآيات فان انزال الكتاب على رسول الله اشارة الى اهتدائه به كما قال تعالى فى مقام الامتنانما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان } وقوله لتخرج صريح فى هدايته وارشاده ولكل وارث من ورثته الاكملين حظ او فى من هذين المقامين وهم المظاهر للاسم الهادى وقوله تعالى يستحبون ويصدون اشارة الى الضلال والاضلال وهم ورثة الشيطان فى ذلك اى المظاهر للاسم المضل. فعلى العاقل ان يحقق ايمانه بالذكر الكثير وينقطع من الدنيا وما فيها الى العليم الخبير. وسئل سلطان العارفين ابو يزيد البسطامى قدس سره عن السنة والفريضة فقال السنة ترك الدنيا والفريضة الصحبة مع المولى لان السنة كلها تدل على ترك الدنيا والكتاب كله يدل على صحبة المولى فمن عمل بالسنة والفريضة فقد كملت النعمة فى حقه ووجب عليه الشكر الكثير شرفنا الله واياكم بالسلوك الى طريق الاخيار والابرار