الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

{ وفى الارض } خبر مقدم لقوله { قطع } جمع قطعة بالفارسية باره { متجاورات } اى بقاع متلاصقات بعضها طيبة تنبت شيئا وبعضها سبخة لا تنبت وبعضها قليلة الريع وبعضها صلبة وبعضها كثيرة الريع وبعضها رخوة وبعضها يصلح للزرع دون الشجر وبعضها بالعكس ولولا تخصيص قادر على موقع لافعاله على وجه دون وجه لم يكن كذلك لاشتراك تلك القطع وانتظامها فى جنس الارضية { وجنات } عطف على قطع اى بساتين { من اعناب } جمع عنبة بالفارسية انكور وسمت العرب العنب الكرم لكرم ثمرته وكثرة جمله وتذللـه للقطف ليس بذى شوك ولا بشاق المصعد ويؤكل غضا ويابسا واصل الكرم الكثرة والجمع للخير وبه سمى الرجل كرما لكثرة خصال الخير فيه. واعلم ان قلب المؤمن لما فيه من نور الايمان اولى بهذا الاسم ولذا قال عليه السلام " لا يقولن احدكم الكرم فانما الكرم قلب المؤمن " قال ابن الملك سبب النهى ان العرب كانوا يسمون العنب وشجرته كرما لان الخمر المتخذة منه تحمل شاربها على الكرم فكره النبى صلى الله عليه وسلم هذه التسمية لئلا يتذكروا به الخمر ويدعوهم حسن الاسم الى شربها وجعل المؤمن وقلبه احق ان يتصف به لطيبه وذكائه والغرض منه تحريض المؤمن على التقوى وكونه اهلا لهذه التسمية { وزرع } بالرفع عطف على جنات وتوحيده لانه مصدر فى اصله { ونخيل } نعت لنخيل جمع صنو وهى النخلة لها رأسان واصلهما واحد اى نخلات يجمعهن اصل واحد. وبالفارسية جند شاخ ازيك اصل رسته وفى الحديث " لا تؤذونى فى العباس فانه بقية آبائى وان عم الرجل صنو ابيه " قال فى القاموس ما زاد فى الاصل الواحد كل واحد منهما صنو ويضم ويقال هو عام فى جميع الشجر { وغير صنوان } ومتفرقات مختلفة الاصول وفى الحديث " اكرموا عمتكم النخلة فانها خلقت من فضله طينة آدم وليس من الشجر شجرة اكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم ابنة عمران فاطعموا نساءكم الولد الرطب فان لم يكن رطب فتمر " - وحكى - المسعودى ان آدم عليه السلام لما هبط من الجنة خرج ومعه ثلاثون قضيبا مودعة اصناف الثمر فيها. منها عشرة لها قشر الجوز واللوز والفستق والبندق والشاه بلوط والصنوبر والرمان والنارنج والموز والخشخاش. ومنها عشرة لا قشر لها ولثمرها نوى الرطب والزيتون والمشمش والخوخ والاجاص والعناب والغبيراء والدوابق والزعرور والنبق. ومنها عشرة ليس لها قشر ولا نوى التفاح والكمثرى والسفرجل والتين والعنب والاترج والخرنوب والقثاء والخيار والبطيخ وهذا لا ينافى كون هذه الثمرات مخلوقة فى الارض كما لا يخفى { يسقى } المذكور من القطع والجنات والزرع والنخيل { بماء واحد } والماء جسم رقيق مائع به حياة كل نام { ونفضل } بنون العظمة اى ونحن نفضل { بعضها على بعض فى الاكل } فى الثمر شكلا وقدرا وطعما ورائحة فمنها بياض وسواد وصغير وكبير وحلو ومر وحامض وجيد ورديئ وذلك ايضا مما يدل على الصانع الحكيم وقدرته فان انبات الاشجار بالثمار المختلفة الاصناف والاشكال والالوان والطعوم والروائح مع اتحاد الاصول والاسباب لا يكون الا بتخصيص قادر مختار لانه لو كان ظهور الثمار بالماء والتراب لوجب فى القياس ان لا يختلف الالوان والطعوم ولا يقع التفاضل فى الجنس الواحد اذا نبت فى مغرس واحد بماء واحد.

السابقالتالي
2 3