الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ }

كما قال تعالى { ولقد همت به } الهم عقد القلب على فعل شيء قبل ان يفعل من خير او شر وهو القصد والمراد همت بمخالطته ومجامعته اذ الهم لا يتعلق بالاعيان اى قصدتها وعزمت عليها عزما جازما بعد ما باشرت مباديها وفعلت ما فعلت من المراودة وتغليق الابواب ودعوته الى نفسها بقولها هيت لك ولعلها تصدت هنالك لافعال اخر من بسط يدها اليه وقصد المعانقة وغير ذلك مما يضطره الى الهرب نحو الباب والتأكيد لدفع ما عسى يتوهّم من اختصاص اقلاعها عما كانت عليه بما فى مقالته من الزواجر { وهمّ بها } بمخالطتها اى مال اليها بمقتضى الطبيعة البشرية وشهوة الشباب ميلا جبليا لا يكاد يدخل تحت التكليف لا قصدا اختياريا لانه كما انه بريء من ارتكاب نفس الفاحشة والعمل الباطل كذلك بريء من الهمّ المحرم وانما عبر عنه بالهمّ لمجرد وقوعه فى صحبة همها فى الذكر بطريق المشاكلة لا لشبهة به ولقد اشير الى تباينهما بانه لم يقل ولقد هما بالمخالطة او هم كل منهما بالآخر. قال حضرة الشيخ افتاده قدس سره { وهمّ بها } اى هجم للطبيعة فقمع مقتضاها ولم يعط حكمها فان عدم تقاضيها نقصان بل الكمال ان لا يعطى لها حكمها مع غاية التوقان فيترقى به الانسان وينال المراتب العالية عند الرحمن الا ترى ان العنين لا يمدح على ترك الجماع وفى المثنوى
هين مكن خودرا خصى رهبان مشو زانكه عفت هست شهوترا كرو بى هوا نهى ازهوا ممكن نبود هم غزابا مرد كان نتوان نمود   
قال الشافعى اربعة لا يعبأ الله بهم يوم القيامة زهد خصى وتقوى جندى وامانة امرأة وعبادة صبى وهو محمول على الغالب كما فى المقاصد الحسنة -وروى- فى الخبر انه ليس من نبى الا وقد اخطأ وهم بخطيئة غير يحيى بن زكريا ولكنهم كانوا معصومين من الفواحش. فمن نسب الى الانبياء الفواحش كالعزم على الزنى ونحوه الذى يقوله الحشوية فى يوسف كفر لانه شتم لهم كذا فى القنية. قال بعض ارباب الاحوال كنت بمجلس بعض القصاص فقال ما سلم احد من هوى ولا فلان وسمى من لا يليق ذكره فى هذا المقام العظم الشأن فقلت اتق الله فقال ألم يقل حبب الىّ فقلت ويحك قال حبب ولم يقل احببت ثم قال خرجت بالهمّ فرأيت النبى عليه السلام فقال لا تهتم فقد قتلناه قال فخرج ذلك القاص الى بعض القرى فقتله بعض قطاع الطريق { لولا ان رأى برهان ربه } اى حجته الباهرة الدالة على كمال قبح الزنى. والمراد برؤيته لها كمال ايقانه ومشاهدته لها مشاهدة واصلة الى مرتبة عين اليقين التى تتجلى هناك حقائق الاشياء بصورها الحقيقة وتنخلع عن صورها المستعارة التى بها تظفر فى هذه النشأة على ما نطق به قوله عليه السلام

السابقالتالي
2 3