الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ }

{ ولئن اخرنا عنهم العذاب } الموعود { الى امة معدودة } الى طائفة من الايام قليلة لان ما يحصره العد قليل { ليقولن } اى الكفار { ما يحبسه } اى أى شيء يمنع العذاب من المجيئ والنزول فكأنه يريد فيمنعه مانع وانما كانوا يقولونه بطريق الاستعجال استهزاء ومرادهم انكار المجيء والحبس رأسا لا الاعتراف به والاستفسار عن حابسه { ألا } بدانيد { يوم يأتيهم } العذاب كيوم بدر { ليس مصروفا عنهم } اى مدفوعا عنهم يعنى لا يدفعه عنكم دافع بل هو واقع بكم. ويوم منصوب بخبر ليس وهو دليل على جواز تقديم خبر ليس على ليس فانه اذا جاز تقديم معمول خبرها عليها كان ذلك دليلا على جواز تقديم خبرها اذ المعمول تابع للعامل فلا يقع الا حيث يقع العامل { وحاق بهم } ونزل بهم واحاط وهو بمعنى يحيق فعبر عن المستقبل بلفظ الناضى تنبيها على تحقق وقوعه { ما كانوا به يستهزئون } اى العذاب الذ كانوا يستعجلون به استهزاء. واعلم ان السبب الموجب للعذاب كان الاستهزاء والباعث على الاستهزاء كان الانكار التكذيب والناس صنفان فى طريق الآخرة صنف مبتاع نفسه من عذاب الله تعالى بالايمان والاعمال الصالحة وصنف مهلكها باتباع الهوى وترك الاعمال الصالحة والكفار امنوا من عذاب الله تعالى وسخطه فوقعوا فيما وقعوا من العذاب العاجل والآجل وفى الحديث القدسى " وعزتى لا اجمع على عبدى خوفين وامنين اذا خافنى فى الدنيا آمنته يوم القيامة واذا أمننى فى الدنيا اخفته يوم القيامة " ولشدة الامر قال الفضيل بن عياض انى لا اغبط ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولا عبدا صالحا اليس هؤلاء يعاينون القيامة واهوالها وانما اغبط من لم يخلق لانه لا يرى احوال القيامة وشدائدها. وعن السرى السقطى اشتهى ان اموت ببلدة غير بغداد مخافة ان لا يبقى قبرى فافتضح عندهم. فعلى العاقل ان يتدارك امره قبل حلول الاجل كما قيل علاج واقعه بيش از وقوع بايد كرد. ويخاف من ربه ويستغفر من ذنبه ويحترز عن الاصرار وفى الحديث " المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه " والله تعالى يريد من كل جزء من اجزاء الانسان ما خلقه له فمن القلب المعرفة والتوحيد ومن اللسان الشهادة والتلاوة وترك الاذية بالاستهزاء وغيره فمن ترك الوفاء بما تعهد له من استعمال كل عضو فيما خلق هو لأجله فقد تعرض لسخط الله تعالى وعذابه وقد " استهزأ ابو جهل بالنبى عليه السلام فى بعض الاوقات حيث سار خلفه عليه السلام فجعل يخلج انفه وفمه يسخر به فاطلع عليه صلى الله تعالى عليه وسلم فقال له " كن كذلك " فكان كذلك الى ان مات "

السابقالتالي
2