الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

{ ألا } اى تنبهوا ايها المؤمنون { انهم } اى مشتركى مكة { يثنون صدورهم } من ثنى يثنى اى عطف وصرف. والمعنى يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والاعراص عن الحق وعداوة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بحيث يكون ذلك مخفيا مستورا فيها كما تعطف الثياب على ما فيها من الاشياء المستورة { ليستخفوا منه } الاستخفاء الاستتار اى ليختفوا ويستتروا من الله تعالى لجهلهم بما لا يجوز على الله تعالى -روى- عن ابن عباس رضى الله عنهما انها نزلت فى اخنس بن شريق الزهرى وكان رجلا حلو المنطق حسن السياق للحديث يظهر لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المحبة ويضمر فى قلبه ما يضادها. وقال ابن شداد انها نزلت فى بعض المنافقين كان اذا مر برسول الله ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كيلا يراه النبى عليه السلام فكأنه انما كان يصنع ما يصنع لانه لو راه النبى عليه السلام لم يمكنه التخلف عن حضور مجلسه والمصاحبة معه وربما يؤدى ذلك الى ظهور ما فى قلبه من الكفر والنفاق. فان قلت الآية مكية والنفاق حدث بالمدينة. قلت لك ان تمنع ذلك بل ظهوره انما كان فيها ولو سلم فليكن هذا من باب الاخبار عن الغيب وهو من جملة المعجزات { الا حين يستغشون ثيابهم } اى يتغطون بها للاستخفاء على ما نقل عن ابن شداد وحين ياوون الى فراشهم ويتدثرون ثيابهم وكان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخى ستره ويحنى ظهره ويتغشى ثوبه ويقول هل يعلم الله ما فى قلبى. قال فى الكواشى حين توقيت للتغطى لا للعلم انتهى. اى لئلا يلزم تقييد علمه تعالى بسرهم وعلنهم بهذا الوقت الخاص وهو تعالى عالم بذلك فى كل وقت. والجواب انه تعالى اذا علم سرهم وعلنهم فى وقت التغشية الذى يخفى فيه السر فاولى ان يعلم ذلك فى غيره وهذا بحسب العادة والا فالله تعالى لا يتفاوت علمه بتفاوت احوال الخلق { يعلم ما يسرون } اى يضمرون فى قلوبهم { وما يعلنون } بافواههم وما مصدرية اى اسرارهم واعلانهم او بمعنى الذى والعائد محذوف وقدم السر على العلن لان مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن اذ ما من شيء يعلن لا وهو او مباديه قبل ذلك مضمر فى القلب فتعلق علمه سبحانه بحالته الاولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية { انه } اى الله تعالى { عليم بذات الصدور } مبالغ فى الاحاطة بمضمرات جميع الناس واسرارهم الخفية المستكنة فى صدورهم بحيث لا تفارقها اصلا فكيف يخفى على ما يسرون وما يعلنون
اى كه دردل نهان كنى سرى آنكه دل آفريد ميداند   
ومعنى الآية ان الذين اضمروا الكفر والعداوة لا يخفون علينا وسنجازيهم على ما ابطنوا من سوء اعمالهم حق جزائهم فحقه ان يتقى ويحذر ولا يجترئ على شيء مما يخالف رضاه

السابقالتالي
2