الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ }

{ ويصنع الفلك } ينجرها وهى حكاية حال ماضية لاستحضار صورتها العجيبة { وكلما } اى يصنعها والحال انه كلما { مر عليه ملأ } اشراف ورؤساء { من قومه سخروا منه } استهزؤا به لعمله السفينة اما لانهم ما كانوا يعرفونها ولا كيفية استعمالها والانتفاع بها فقالوا يا نوح ما تصنع قال اصنع بيتا يمشى على الماء لتعجبوا من قوله وسخروا منه واما لانه كان يصنعها فى برية بهماء فى ابعد موضع من الماء فى وقت عزته عزة شديدة وكانوا يتضاحكون ويقولون يا نوح صرت نجارا بعدما كنت نبيا ويقولون أتجعل للماء اكافا فاين الماء او لانه كان ينذرهم الغرق فلما طال مكثه فيهم ولم يشاهدوا منه عينا ولا اثرا عدوه من باب المحال ثم لما رأوا اشتغاله باسباب الخلاص من ذلك فعلوا ما فعلوا ومدار الجميع انكار ان يكون لعمله عاقبة حميدة مع ما فيه من تحمل المشاق العظيمة
من اكرنيكم وبدتو برو وخودرا باش هر كسى ىن درود عاقبت كاركه كشت   
قوله كلما ظرف وما مصدرية ظرفية تقديره وفى كل وقت مرور سخروا منه والعامل سخروا منه { قال } استئناف كأن سائلا سال فقال فما صنع نوح عند بلوغ اذاهم الغاية فقيل قال { ان تسخروا منا } اكر سخريه وافسوس ميكنيد باما { فانا نسخر منكم كما تسخرون } سخرية مثل سخريتكم اذا وقع عليكم الغرق فى الدنيا والحرق فى الآخرة. قال المولى ابو السعود رحمه الله اى نعاملكم معاملة من يفعل ذلك لان نفس السخرية مما لا يكاد يليق بمنصب النبوة انتهى. يقول الفقير المقصود من هذه السخرية اصابة جزاء السخرية وكل احد انما يجازى من جنس عمله لا من خلاف جنسه الا ترى الى قوله تعالى فى حق الصائمينكلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم فى الايام الخالية } فانه يقال لهم يوم القيامة كلوا يا من جوعوا بطونهم واشربوا يا من عطشوا اكبادهم ولا يقال كلوا يا من قطعوا الليل واشربوا يا من ثبتوا يوم الزحف اذ ليس فيه المناسبة بين العمل وجزائه فالآية نظير قوله تعالىان الذين اجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون } الا ترى الى ما قال فى الجزاءفاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } ثم تمم بقولههل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون } وفى الآية اشارة الى ان اهل النفس وتابعى هواها يستهزئون بمن يستعمل اركان الشريعة الظاهرة ويضحكون منهم فى اتعابهم بها نفوسهم اذهم بمعزل عن اسرارها وانوارها فان سخروا منهم بجهلهم لفائدة هذه السفينة فسوف يسخر بهم من ركبها اذ نجوا وهلكوا. قال شيخنا العلامة ابقاه الله بالسلامة فكما ان العالم الغير العامل والجاهل الغير العامل سواء فى كونهما مطروحين عن باب الله تعالى فكذلك العارف الغير العامل والغافل الغير العامل سواء فى كونهما مردودين عن باب الله تعالى لان مجرد العلم والمعرفة ليس سبب القبول والفلاح ما لم يقارن العمل بالكتاب والسنة بل كون مجردهما سبب الفلاح مذهب الحكماء الغير الاسلامية فلا بد معهما من العمل حتى يكونا سببا للنجاة كما هو مذهب اهل السنة والحكماء الاسلامية انتهى كلامه المقبول المفيد
كارى كنيم ورنه حجالت برآود روزى كه رخت جان بجهان دكركثيم   
قال السعدى قدس سره
كنون كوش كآب از كمر دركذشت در وقت سيلابت از سر كذشت