{ ولقد ارسلنا نوحا الى قومه } الواو ابتدائية واللام جواب قسم محذوف وحرفه الباء لا الواو كما فى سورة الاعراف لئلا يجتمع واوان اى بالله لقد بعثنا نوحا وهو ابن ملك ابن متوشلخ بن ادريس عليهما السلام وهو اول نبى بعث بعده قال ابن عباس رضى الله عنهما بعث نوح على راس اربعين من عمره ولبث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان ستين سنة وكان عمره الفا وخمسين سنة وقيل غير ذلك ولد نوح بعد الف وستمائة واثنتين واربعين سنة من هبوط آدم عليه السلام وكانت دمشق داره ودفن فى الكوفة وقال بعضهم فى الكرك وقال بعضهم فى مغارة ابراهيم عليه السلام فى القدس ويقال كان اسما شاكرا وسمى نوحا لكثرة نياحته على نفسه واختلفوا فى سبب نياحته على ثلاثة اوجه. الاول قلة رحمته حين قال{ رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا } فلم يرض الله ذلك منه. والثانى انه مر بكلب فقال ما اقبحك من خلق فعاتبه الله على ذلك أعبتنى ام عبت الكلب فقام وناح على نفسه وذهب فى البرارى والجبال. والثالث الميل والهوى الى ولده ومراجعته الى ربه حيث قال{ ان ابنى من اهلى } فقال الله{ انه ليس من اهلك } فقام وناح على نفسه او شفقة على الولد وخوفا لى نفسه كذا فى التبيان. يقول الفقير عامله الله بلطف الخطير ان بعض الزلات وان كان سببا للنياحة كما وقع ايضا لداود عليه السلام وغيره الا ان نياحة الانبياء والاولياء انما هى من جلال الله تعالى وهيبته الآخذة بقلوبهم فهى من صفات العاشقين وسمات العارفين الا ترى الى يحيى عليه السلام لم ير اكثر نوحا وبكاء منه فى زمانه مع انه لم يهم بذنب قط وبكاء يعقوب عليه السلام لم يكن لمجرد فراق يوسف عليه السلام بل كان فراقه سببا صوريا ظاهريا له والله تعالى اذا اراد بكاء عبده وحنينه الى جنابه ابتلاء بالفراق او بالجوع او بغيرهما كما لا يخفى على اهل القلوب وفى ذلك ترقيات له عجيبة وتجليات له غريبة قد شاهدت هذه الحال من بعض اهل الكمال وههنا سؤال وهو انه كيف يستقيم الاخبار فى الازل عن ارسال نوح عليه السلام بلفظ الماضى ونوح وقومه لم يجد بعد والجواب ان هذا الاخبار بالنسبة الى الازل لا يتصف بشيء من الازمنة اذ لا ماضى ولا مستقبل ولا حال بالنسبة الى الله تعالى واتصافه به انما هو بالنسبة الى توجه الخطاب له كان ماضيا وان كان معه او بعده فالحال او الاستقبال { انى } اى فقال لقومه انى { لكم نذير } مخوف { مبين } مظهر وذلك الانذار على اكمل طرقه اى ابين لكم موجبات العذاب ووجه الخلاص منه بيانا ظاهرا لا شبهة فيه ولم يقل وبشير لان البشارة انما تكون لمن آمن ولم يكن احد آمن كما اقتصر على الانذار فى قوله تعالى{ قم فانذر } تقديما للتخلية على التحلية