الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

{ فاستقم كما امرت } يقول الفقير اى اذا تبين عندك يا محمد احوال القرون الاولى وان اخوانك الانبياء ومؤمنيهم تحملوا من قومهم الاذى من قومهم الاذى وصبروا واستقاموا على طريقتهم المثلى الى ان يأتى امر الله تعالى فدم انت ايضا على الاستقامة على التوحيد والدعوة اليه كما امر الله تعالى { ومن تاب معك } معطوف على المستكن فى فاستقم من غير تأكيد بالمنفصل لوجود الفاصل القائم مقامه اى ومن تاب من الشرك والكفر وشاركك فى الايمان هو المعنى بالمعية والا فليس لهم مصاحبة له فى التوبة عما ذكر اذ الانبياء معصومون عن الكفر وكذا فى تعمد الكبائر قبل الوحى وبعده بالاجماع لكن الظاهر ان الاشتراك فى نفس التوبة يكفى فى الاصطحاب ولا يلزم الاشتراك فى المتوب عنه وقد كان عليه السلام يستغفر الله كل يوم اكثر من سبعين مرة على ما ورد فى الحديث كذا فى حواشى سعدى المفتى. يقول الفقير لعل التوبة فى مثل هذا المقام هر الرجوع عن الحالة الاولى ومفارقتها سواء صدر فيها الكفر كسجود الصنم وغيره وهو حال اكثر المؤمنين او لم يصدر وهو حال الاقلين ومنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صح انه عليه السلام شهد بان عليا رضى الله عنه لم يكفر بالله قط طرفة عين مع قوله له فى دعوة الاسلام وادعوك الى الكفر باللات والعزى فان هذا القول لا يقتضى كفره رضى الله عنه اذ قد يدعى الرجل الى كفر ما لم يتصف به اذا كان من شأنه الكفر به والانكار عليه { ولا تطغوا } اى ولا تنحرفوا عما حد لكم بافراط وتفريط فان كلا طرفى قصد الامور ذميم. وانما سمى ذلك طغيانا وهو تجاوز الحد تغليظا او تغليبا لحال سائر المؤمنين على حاله. وفى سورة شورىواستقم كما امرت ولا تتبع اهواءهم } والنهيان متقاربان اذا المراد عدم الاتباع لاهواء اهل الكفر لان فى الاتباع الطغيان وفى عدمه الاستقامة المحضة { انه } اى الله تعالى { بما تعملون بصير } عالم لا يخفى عليه شيء فيجازيكم على ذلك فاتقوه فى المحافظة على حدوده وهو فى معنى التعليل للامر والنهى. وعن بعض الصلحاء وهو ابو على السنوسى رضى الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى النوم فقلت له روى عنك انك قلت " شيبتنى سورة هود " فقال نعم فقلت فما الذى شيبك منها أقصص الانبياء وهلاك الامم قال لا ولكن قوله فاستقم كما امرت وذلك لان حقيقة الاستقامة هى الوفاء بالعهود كلها وملازمة الصراط المستقيم برعاية حد التوسط فى كل الامور من الطعام والشراب واللباس فى كل امر دينى ودنيوى ترغيب او ترهيب او حال او حكم او صفة او معاملة وذلك هو الصراط المستقيم كالصراط المستقيم فى الآخرة والتمشى على هذا الصراط الذى يقال لها الاستقامة الاعتدالية عسير جدا كما قال فى بحر العلوم الاستقامة على جميع حدود الله على الوجه الذى امر الله بالاستقامة عليه مما يكاد يخرج عن طوق البشر ولذلك قال عليه السلام

السابقالتالي
2