الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُمْ بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلوبِ ٱلْمُعْتَدِينَ }

{ ثم بعثنا } اى ارسلنا { من بعده } اى بعد نوح { رسلا } التكثير للتفخيم ذاتا ووصفا اى رسلا كراما ذوى عدد كثير { الى قومهم } كل رسول الى قومه خاصة كما ستفاد من اضافة القوم الايكة واهل مدين وغير ذلك ممن قص منهم ومن لم يقص { فجاؤهم } اى جاء كل رسول قومه المخصوصين به { بالبينات } بالمعجزات الواضحة مثبتة لدعواهم والباء اما متعلقة بالفعل المذكور على انها للتعدية او بمحذوف وقع حالا من ضمير جاؤا اى ملتبسين بالبينات. والمراد جاء كل رسول بالبينات الكثيرة فان مراعاة انقسام الآحاد الى الآحاد انما هى فيما بين ضميرى جاؤهم { فما كانوا ليؤمنوا } اى فما صح وما استقام لقوم من اولئك الاقوام فى وقت من الاوقات ان يؤمنوا بل كان ذلك ممتنعا منهم لشدة شكيمتهم فى الكفر والعناد { بما كذبوا به من قبل } ما موصولة عبارة عن جميع الشرائع التى جاء بها كل رسول اصولها وفروعها والمراد بيان استمرار تكذيبهم من حين مجيء الرسل الى زمان الاصرار والعناد فان المحكى آخر حال كل قوم او عبارة عن اصول الشرائع التى اجمعت عليها الرسل قاطبة. والمراد بيان استمرار تكذيبهم بيان استمرار تكذيبهم من قبل مجيء الرسل الى زمان مجيئهم الى آخره فالمحكى جميع احوال كل قوم ومعنى تكذيبهم بها قبل مجيء انهم ما كانوا فى زمن الجاهلية بحيث لم يسمعوا بكلمة التوحيد قط بل كان كل قوم من اولئك الاقوام يتسامعون بها من بقايا من قبلهم كثمود من بقايا عاد وعاد من بقايا قوم نوح فيكذبونها ثم كاتنت حالتهم بعد مجيئهم الرسل كحالتهم قبل ذلك كأن لم يبعث اليهم احد. وفيه اشارة الى ان اهل الفترة مؤاخذون من جهة الاصول { كذلك } الكاف نعت مصدر محذوف اى مثل ذلك الطبع والختم المحكم الممتنع زواله { نطبع } مهرمى نهيم { على قلوب المعتدين } المتجاوزين باختيار الاصرار على الكفر. اعلم ان الله تعالى قد دعا الكل الى التوحيد يوم الميثاق ثم لما وقع التنزل الى هذه النشأة الجسمانية لم يزل الروح الانسانى داعيا الى قبول تلك الدعوة الالهية والعمل بمقتضاها لكن من كان شقيا بالشقاوة الاصلية الازلية لما لم يقبلها فى ذلك اليوم استمر على ذلك فلم يؤمن بدعوة الانبياء ومعجزاتهم فتكذيب الانبياء مسبب عن تكذيب الروح وتكذيبه مسبب عن تكذيب الله تعالى يوم الميثاق وهم وان كانوا ممن قال بلى لكن كان ذلك من وراء الحجب حيث سمعوا نداء الست بربكم من ورائها فلم يفهموا حقيقته واجابوا بما اجاب به غيرهم لكن تقليدا لا تحقيقا وكما ان الله تعالى طبع على قلوب المكذبين للرسل بسوء اختيارهم وانهماكهم فى الغى والضلال كذلك طبع على قلوب المنكرين للاولياء بسوء معاملاتهم وتهالكهم على التقليد فما دخل فى قلوبهم الاعتقاد وما جرى على السنتهم الاقرار كما لم يدخل فى قلوب الاولين التصديق ولم يصدر من ألسنتهم ما يستدل به على التوفيق ثم هم مع كثرتهم قد جاءوا وذهبوا ولم يبق منهم اثر ولا اسم وسيلحق بهم الموجودون ومن يليهم الى آخر الزمان وفى المنثوى

السابقالتالي
2