{ قل أرأيتم } اخبرونى ايها المشركون{ ما انزل الله لكم من رزق } ما استفهامية منصوبة المحل سادة مسد المفعولين لأرأيتم جعل الرزق منزلا من السماء مع ان الارزاق انما تخرج من الارض اما لانه مقدر فى السماء كما قال تعالى { وفى السماء رزقكم } ولا يخرج من الارض الا على حسب ما قدر فيها فصار بذلك كأنه منزل منها او لانه انما يخرج من الارض باسباب متعلقة بالسماء كالمطر والشمس والقمر فان المطر سبب الانبات والشمس سبب النضج والقمر سبب اللون واللام للمنفعة فدلت على ان المراد منه ما حل { فجعلتم منه } اى جعلتم بعضه { حراما } اى حكمتم بانه حرام { وحلالا } اى وجعلتم بعضه حلالا اى حكمتم بحله مع كون كله حلالا. والمعنى أى شيء انزل الله من رزق فبعضتموه والمقصود والانكار لتجزئتهم الرزق وذلك قولهم{ هذه انعام وحرث حجر } وقولهم{ ما فى بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على ازواجنا } وهى البحيرة والسائبة والوصيلة والحام { قل } لهم { آلله } ايخدا { اذن لكم } فى ذلك الجعل فانتم فيه ممتثلون لأمره قائلون بالتحريم والتحليل بحكمه { ام على الله تفترون } فى نسبة ذلك اليه. وفى الكواشى هذه الآية من ابلغ الزواجر عن التجوز فيما يسأل عنه من الحكم وباعثة على الاحتياط فيه ومن لم يحتط فى الحكم فهو مفتر انتهى. قال على كرم الله وجهه " من افتى الناس بغير علم لعنته السماء والارض ". وسألت بنت على البلخى اباها عن القيئ اذا خرج الى الحلق فقال يجب اعادة الوضوء فرأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال لا يا على حتى يكون ملء الفم فقال علمت ان الفتوى تعرض على رسول الله فآليت على نفسى ان لا افتى ابدا. وفى الآية اشارة الى انه لا يجوز للمرء ان يعتقد ويقول ان الرزق المعنوى من الواردات الالهية والشواهد الربانية حرام على ارباب النفوس وحلال على اصحاب القلوب وان تحصيل السعادات ونيل هذه الكرامات ليس من شأننا وانما هو من شان الاخيار لكبراء وخواص الانبياء والاولياء فان هذا افتراء على الله فان الله تعالى ما خص قوما بالدعوة الى الدرجات والمقامات العلية بل جعل الدعوة عامة لقوله{ والله يدعو الى دار السلام } وقوله{ يدعوكم ليغفر لكم } فتحريمه هذا الرزق على نفسه من خساسة نفسه وركاكة عقله ودناءة همته والا فالله تعالى لم يسد عليه هذا الباب بل هو الفياض الوهاب قال الحافظ
عاشق كه شد كه يار بخالش نظر نكرد اى خواجه دردنيست وكرنه طبيب هست
وقال
طالب لعل وكهرنيست وكرنه خورشيد همجنان در عمل معدن وكانست كه بود
وفى المثنوى
كر كران وكر شتابنده بود عاقبت جوينده با بنده بود
وفى الحكم العطائية وشرحها من استغرب ان ينقذه الله من شهوته التى اعتقلته عن الخيرات وان يخرجه من وجود غفلته التى شملته فى جميع الحالات فقد استعجز القدرة الالهية ومن استعجزها فقد كفر او كاد ودليل ذلك ان الله تعالى يقول{ وكان الله على كل شيء مقتدرا } أبان سبحانه ان قدرته شاملة صالحة لكل شيء وهذا امس الاشياء وان اردت الاستعانة على تقوية رجائك فى ذلك فانظر لحال من كان مثلى ثم انقذه الله وخصه بعنايته كابراهيم بن ادهم وفضيل بن عياض وعبد الله بن المبارك وذى النون ومالك بن دينار وغيرهم من مجرمى البداية