الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ }

{ أكان للناس عجبا } الهمزة لانكار تعجبهم ولتعجيب السامعين منه لكونه في غير محله والمراد بالناس كفار مكة. قال ابو البقاء للناس حال من عجبا لان التقدير أكان عجبا للناس وعجبا خبر كان واسمه قوله { ان اوحينا الى رجل منهم } اي بشر من جنسهم فانهم كانوا يتعجبون من ارسال البشر ولم يتعجبوا من ان يكون الاله صنما من حجر او ذهب او خشب او نحاس او ممن لا يعرف بكونه ذا جاه ومال ورياسة ونحو ذلك مما يعدونه من اسباب العز والعظمة فانهم كانوا يقولون العجب ان الله تعالى لم يجد رسولا يرسله الى الناس الا يتيم ابي طالب وهو من فرط حماقتهم وقصر نظرهم على الامور العاجلة وجهلهم بحقيقة الوحى والنبوة فانه عليه السلام لم يكن يقصر عن عظمائهم في النسب والحسب والشرف وكل ما يعتبر في الرياسة من كرم الخصال الا في المال ولا مدخل له في شرف النفس ونجابة جوهرها الا انهم لعظم الغنى في اعينهم تعجبوا من اصطفائه للرسالةوقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } قال الحافظ قدس سره
تاج شاهى طلبى كوهر ذاتى بنماى درخود از كوهر جمشيد فريدون باشى   
وقال السعدى قدس سره
هنر بايد وفضل ودين كه كاه ازكوهر جمشيد فريدون باشى   
قال في التأويلات النجمية يشير إلى انهم يتعجبون من ايحائنا الى محمد عليه السلام لانه كان رجلا منهم وفيه راينا رجوليته قبل الوحي وتبليغ الرسالة من بينهم ولهذا السر ما اوحي الى امرأة بالنبوة قط انتهى. والرجولية هي صدق اللسان ودفع الاذى عن الجيران والمواساة مع الاخوان هذا في الظاهر واما في الحقيقة فالتنزه عن جميع ما سوى الله تعالى. وفي حديث المعراج ان الله تعالى نظر الى قلوب الخلق فلم يجد اعشق من قلب محمد عليه السلام فلذا اكرمه بالرؤية فالعبرة لحال الباطن لا لحال الظاهر. واعلم ان حال الولاية كحال النبوة ولو رأيت اكثر اهل الولاية في كل قرن وعصر لوجدتهم ممن لا يعرف بجاه ومن عجب من ذلك القى في ورطة الانكار وحجب بذلك الستر عن رؤية الاخيار { ان } مفسرة للمفعول المقدر اي اوحينا اليه شيئا هو { انذر الناس } اي جميع الناس كافة لا ما اريد بالاول عمم الانذار لانه ينفع جميع المكلفين من الكفار وعوام المؤمنين وخواصهم فالبعض ينذر بنار الجحيم والبعض الآخر بانحطاط الدرجات في دار النعيم والبعض الثالث بنار الحجاب عن مطالعة جمال الرب الكريم وقدم الانذار على التبشير لان ازالة ما لا ينبغي متقدمة في الرتبة على فعل ما ينبغي وهو لا يفيد ما دامت النفس ملوثة بالكفر والمعاصى فان تطبيب البيت بالبخور انما يكون بعد الكنس وازالة القاذورات ألا ترى ان الطبيب الذي يباشر معالجة مرض القلب لا بد له ان يبدأ اولا البدن من الاخلاط الرديئة ثم يباشر المعالجة بالمقويات فكذلك الطبيب الذي يباشر معالجة مرض القلب لا بد أن يبدأ اولاً بتنقيته من العقائد الزائغة والاخلاق الردئية والاعمال القبيحة المكدرة للقلب بان يسقيه شربة الانذار بسوء عاقبة تلك الامور بعد تنقيته من المهلكات يعالجه بما يقويه على الطاعات بأن يسقيه شربة التبشير بحسن عاقبة الاعمال الصالحات ولهذا اقتصر على ذكر الانذار في مبدأ امر النبوة حيث قال

السابقالتالي
2 3