الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

{ اياك نعبد واياك نستعين } بنى الله سبحانه اول الكلام على ما هو مبادى حال العارف من الذكر والفكر والتأمل فى اسمائه والنظر فى آلائه والاستدلال بصنائعه على عظيم شانه وتأثير سلطانه ثم قفى بما هو منتهى امره وهوان يخوض لجة الوصول ويصير من اهل المشاهدة فيراه عيانا ويناجيه شفاها اللهم اجعلنا من الواصلين الى العين دون السامعين للاثر. وفيه اشارة ايضا الى ان العابد ينبغى ان يكون نظره الى المعبود اولا وبالذات ومنه الى العبادة لا من حيث انها عبادة صدرت منه بل من حيث انها نسبة شريفة ووصلة بينه وبين الحق فان العارف انما يحق وصوله اذا استغرق فى ملاحظة جناب القدس وغاب عما عداه حتى انه لا يلاحظ نفسه ولا حالا من احوالها الا من حيث انها ملاحظة له ومنتسب اليه ولذلك فضل ما حكى عن حبيبه حين قاللا تحزن إن الله معنا } التوبة 40. على ما حكاه عن كليمه حيث قالإن معى ربى سيهدين } الشعراء 62. وتقديم المفعول لقصد الاختصاص اى نخصك بالعبادة لا نعبد غيرك والعبادة غاية الخضوع والتذلل. وعن عكرمة جميع ما ذكر فى القرآن من العبادة التوحيد ومن التسبيح الصلاة ومن القنوت الطاعة. وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان جبريل عليه السلام قال للنبى صلى الله عليه وسلم قل يا محمد { اياك نعبد } اى اياك نؤمل ونرجوا لا غيرك والضمير المستكن فى { نعبد } وكذا فى { نستعين } للقارئ ومن معه من الحفظة وحاضرى صلاة الجماعة او له ولسائر الموحدين ادرج عبادته فى تضاعيف عبادتهم وخلط حاجته بحاجتهم لعلها تقبل ببركتها وتجاب ولهذا شرعت الجماعة قال الشيخ الاكبر والمسك الاذفر قد سنا الله بسره الاطهر فى كتاب العظمة اذا كنى العبد عن نفسه بنون نفعل فليست بنون التعظيم واذا كنى عن الحق تعالى بضمير الافراد فان ذلك لغلبه سلطان التوحيد فى قلب هذا العبد وتحققه به حتى سرى فى كليته فظهر ذلك فى نطقه لفظا كما كان عقدا وعلما ومشاهدة وعينا وهذه النون نون الجمع فان العبد وان كان فرداني اللطيفة وحدانى الحقيقة فانه غير وحدانى ولا فرداني من حيث لطيفته ومركبها وهيكلها وقالبها وما من جزء فى الانسان الا والحق تعالى قد طالب الحقيقة الربانية التى فيه ان تلقى على هذه الجزاء ما يليق بها من العبادات وهى فى الجملة وان كانت المدبرة فلها تكليف يخصها ويناسب ذاتها فلهذه الجميعة يقول العبد لله تعالى نصلى ونسجد واليك نسعى ونحفد واياك نعبد وامثال هذا الخطاب ولقد سألنى سائل من علماء الرسوم عن هذه المسئلة وكان قد حار فيها فاجبته باجوبة منها هذا فشفى غليله والحمد لله انتهى كلام الشيخ قدس سره.

السابقالتالي
2 3 4 5