الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } * { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } * { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } * { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } * { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ } * { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } * { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } * { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }

{ وللآخرة } أي: وللحالة الآخرة التي هي التجلي بعد الاحتجاب واشتداد الشوق { خير لك من } الحالة { الأولى } لأمنك في الحالة الثانية عن التلوين بوجود البقية ظهور الأنائية { ولسوف يعطيك ربّك } الوجود الحقاني لهداية الخلق والدعوة إلى الحق بعد هذا الفناء الصرف { فترضى } به حيث ما رضيت بالوجود البشري والرضا لا يكون إلا حال الوجود. { ألم يجدك يتيماً } منفرداً محجوباً بصفات النفس عن نور أبيك الحقيقي الذي هو روح القدس منقطعاً عنه ضائعاً { فآوى } أي: فآواك إلى جنابه وربّاك في حجر تربيته وتأديبه وكفلك أباك ليعلمك ويزكيك { ووجدك ضالاً } عن التوحيد الذاتي عند كونك في عالم أبيك محتجباً بالصفات عن الذات فهداك بنفسه إلى عين الذات { ووجدك عائلاً } فقيراً عديماً فانياً فيه بالفقر الذي هو سواد الوجه في الدارين الذي هو الفناء المحض بعد الفقر الذي هو فخره أي: فناء الصفات كما قال: " الفقر فخري " فأغناك بما أعطاك من الوجود الموهوب الموصوف بصفات الكمال الحقانيّ المتخلق بالأخلاق الربانية، فإذا تم كمالك فتخلق بأخلاقي وافعل بعبادي ما فعلت بك لتكون عبداً شكوراً أي: قائماً بشكر نعمتي. { فأما اليتيم } أي: المنفرد المنكسر القلب، المنقطع عن نور القدس، المحتجب بحجاب النفس { فلا تقهر } والطف به بالمداراة والرفق وآوه إلى نفسك بالدعو بالحكمة والموعظة الحسنة كما آوتيك { وأمّا السائل } أي: المستعدّ المحجوب الضالّ عن طريق مقصده الطالب إياه { فلا تنهر } ولا تمنعه عن السؤال واهده كما هديتكم { وأما بنعمة ربّك } من العلم والحكمة الفائض عليك في مقام البقاء { فحدّث } بتعليم الناس وإغنائهم بالخير الحقيقي كما أغنيتك، والله تعالى أعلم.