الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } * { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } * { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } * { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } * { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } * { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } * { قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُواْ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً } * { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً }

{ منّا المسلمون } المذعنون لطاعة القلب وأمر الربّ بالطبع كالعاقلة { ومنّا القاسطون } الجائرون عن طريق الصواب كالوهم { فمن } انقاد وأذعن { فأولئك } قصدوا الصواب والاستقامة { وأمّا } الجائرون { فكانوا } حطباً لجهنم الطبيعة الجسمانية { وأن لو استقاموا } من جملة الموحى لا من كلام الجنّ، أي: لو استقام الجن كلهم على طريق التوجه إلى الحق والسلوك في متابعة السرّ السائر إلى التوحيد { لأسقيناهم ماء غدقاً } أي: لرزقناهم علماً جمّاً كما ذكر في إنباء آدم للملائكة. { لنفتنهم فيه } لنمتحنهم هل يشكرون بالعمل به وصرفه فيما ينبغي من مراضي الله أم لا؟ كما قال:وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ } [الأعراف، الآية:168] { ومن يعرض عن ذكر ربّه } فيبخل بنعمته أو يصرفها فيما لا ينبغي من الأعمال وينسى حق نعمته { يسلكه عذاباً صعداً } بالرياضة الصعبة والحرمان عن الحظ حتى يتوب ويستقيم أو بالهيئة المنافية المؤلمة ليتعذب عذاباً شديداً شاقّاً غالباً عليه. { وأنّ المساجد } أي: مقام كمال كل قوة هو هيئة إذعانها وانقيادها للقلب الذي هو سجودها أو كمال كل شيء حتى القلب والروح { لله } أي: حق الله على ذلك الشيء بل صفة الله الظاهرة على مظهر ذلك الشيء { فلا تدعو مع الله أحداً } بتحصيل أغراض النفس وعبادة الهوى وطلب اللذات والشهوات بمقتضى طباعكم، فتشركوا بالله وعبادته. { وأنه لما قام عبد الله } أي: القلب المتوجه إلى الحق الخاشع المطيع { يدعوه } بالإقبال إليه وطلب النور من جنابه ويعظمه ويبجله { كادوا يكونون عليه لبداً } يزدحمون عليه بالاستيلاء ويحجبونه بالظهور والغلبة. { قل إنما أدعو ربّي } أوحده ولا ألتفت إلى ما سواه فأكون مشركاً. { قل إني لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً } أي: غيّاً وهدى، إنما الغواية والهداية من الله إن سلطني عليكم تهتدوا بنوري وإلا بقيتم في الضلال ليس في قوّتي أن أقسركم على الهداية.