الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ }

{ ووَاعَدْنا موسى ثلاثين ليلة } قيل: أمره بصوم ثلاثين فلما أتمّ أنكر خلوف فمه، فتسوّك فعاتبه الله على ذلك وأمره بزيادة عشر، وقيل: أمره بأن يتقرب إليه بما تقرّب به في الثلاثين، وأنزل إليه التوراة في العشر الأخير تتمة الأربعين. فالأول: إشارة إلى أنه خلص عن حجاب الأفعال والصفات والذات في الثلاثين لكن بقي منه بقية ما خلص عن وجودها. واستعمال السواك إشارة إلى ظهور تلك البقية عند قوله: { رب أرِني أنظر إليك }. والثاني: إشارة إلى أنه بلغ الشهود الذاتي التام في الثلاثين بالسلوك إلى الله ولم يبق منه بقية، بل فنى بالكلية. وتمّ في العشر الأخير سلوكه في الله حتى رزق البقاء بالله بعد الفناء بالإفاقة، وعلى هذا ينبغي أن يكون قوله: { رب أرني أنظر إليك } كان قد صدر عنه في الثلاثين، والإفاقة بعدها في تتمة الأربعين. وكلمة ربه، التكليم في مقام تجلي الصفات، وقوله: { رب أرني أنظر إليك } بدر عن إفراط شوق منه إلى شهود الذات في مقام فناء الصفات مع وجود البقية. و { لن تراني } إشارة إلى استحالة الإثنينية وبقاء الأنية في مقام المشاهدة كقوله:
إذا تغيّبت بدا   وإن بدا غيّبني
وقوله: رأيت ربي بعين ربّي { ولكن أنظر إلى الجبل } أي: جبل وجودك { فإنْ استقرّ مكانه } أمكنت رؤيتك إياي، وذلك من باب التعليق بالمحال { جعله دكّاً } أي: متلاشياً لا وجود له أصلاً { وخرّ موسى } عن درجة الوجود فانياً { فلما أفاق } بالوجود الموهوب الحقاني عند البقاء بعد الفناء { قال سبحانك } أن تكون مرئياً لغيرك، مدركاً لأبصار الحدثان { تُبْت إليك } عن ذنب البقية { وأنا أوّل المؤمنين } بحسب الرتبة لا بحسب الزمان، أي: أنا في الصف الأول من صفوف مراتب الأرواح الذي هو مقام أهل الوحدة وذلك مقام الاصطفاء المحض. وقوله: { إني اصطَفَيتك على الناس برسالاتي } هو أول درجة الاستنباء بعد الولاية { فخذ ما آتيتك } بالتمكين { وكن من الشاكرين } بالاستقامة في القيام بحق العبودية، كما قال النبي عليه السلام: " أوَ لا أكون عبداً شكوراً ".