الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ } * { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } * { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } * { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } * { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } * { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } * { فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } * { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }

{ خاشعة أبصارهم } ذليلة متحيرة لذهاب قوتها النورية وعدم قدرتها على النظر إلى عالم النور وبعدها عن إدراك الشعاع مفيد السرور { ترهقهم ذلّة } الركون إلى السفليات والركود إلى خساسة الانفعاليات وملازمة الطبيعيات { وقد كانوا يدعون } عند بقاء الاستعداد ووجود الآلات { إلى } سجود الانقياد بتهيئة الاستعداد لقبول الإمداد من عالم الأنوار { وهم سالمون } الاستعداد متمكنون على إحراز السعادة في المعاد. { فاصبر لحكم ربّك } بسعادة من سعد وشقاوة من شقي ونجاة من نجا وهلاك من هلك وهداية من اهتدى وضلال من ضلّ { ولا تكن كصاحب الحوت } في استيلاء صفات النفس عليه وغلبة الطيش والغضب والاحتجاب عن حكم الربّ حتى ردّ عن جناب القدس إلى مقر الطبع { فالتقمه } حوت الطبيعة السفلية في مقام النفس وابتلي بالاجتنان في بطن حوت الرحم { إذ نادى } ربّه لقهر قومه وإهلاكهم لفرط الغضب عن مقام النفس لا بإذن الحق { وهو } ممتلىء غيظاً { لولا أن تداركه نعمة } كاملة { من ربّه } بالهداية إلى الكمال لبقاء سلامة الاستعداد وعدم رسوخ الهيئة الغضبية والتوبة عن فرطات النفس والتنصل عن صفاتها { لنبذ بالعراء } أي: بظاهر عالم الحسّ وطرد من جناب القدس بالكلية وترك في وادي النفس { وهو مذموم } موصوف بالرذائل مستحق للإذلال والخذلان، محجوب عن الحق، مبتلى بالحرمان، ولكنه اجتباه { ربّه } برحمته لمكان سلامة فطرته وبقاء نوره الأصلي فقرّبه إليه وجمعه إلى ذاته بإلقاء كلمة التوحيد إليه وإيصاله إلى مقام الجمع { وجعله من الصالحين } لمقام النبوّة بالاستقامة حال البقاء بعد الفناء في عين الجمع، والله تعالى أعلم.