{ ولو جعلناه } الرسول { ملكاً لجعلناه رجلاً } أي: لجسدناه لأن الملك نور غير مرئيّ بالبصر وهم ظاهريون لا يدركون إلا ما كان محسوساً وكل محسوس فهو جسم أو جسماني ولا صورة تناسب الملك الذي ينطبق بالحق حتى يتجسد فيها إلا الصورة الإنسانية، إما لكونه نفساً ناطقة تقتضي هذه الصورة وإما لوجوب وجود الجنسية التي لو لم تكن لما أمكنهم السماع منه وأخذ القول { كتَبَ على نفسه الرحمة } أي: ألزم ذاته من حيث هي إفاضة الخير والكمال بحسب استعداد القوابل فما من مستحق لرحمة وجود أو كمال إلا أعطاه عند حصول استحقاقه لها. { ليجمعنكم إلى يوم القيامة } الصغرى والإعادة أو الكبرى في عين الجمع المطلق { لا رَيْب فيه } في كل واحد من الجمعين في نفس الأمر عند التحقيق، وإن لم يشعر به المحجوبون وهم { الذين خسروا أنفسهم } بإهلاكها في الشهوات واللذّات الفانية ومحبة ما يفنى سريعاً من حطام الدنيا، وكل محبّ لشيء فهو محشور فيه. فهؤلاء لمحبتهم إياها واحتجابهم بها عموا عن الحقائق الباقية النورانية واستبدلوا بها المحسوسات الفانية الظلمانية { فهم لا يؤمنون } { قل إني أمرت أن أكون أوّل من أسلم } قال ذلك مع قوله:{ ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } [النحل، الآية: 123]، وكذلك قال موسى:{ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الأعراف، الآية: 143] لأنّ مراتب الأرواح مختلفة في القُرب والبُعد من الهوية الإلهية. وكل من كان أبعد فإيمانه بواسطة من تقدّمه في الرتبة، وأهل الوحدة كلهم في المرتبة الإلهية أهل الصف الأول فكان إيمانهم بلا واسطة وإيمان غيرهم بواسطتهم الأقدم فالأقدم، وكل من كان إيمانه بلا واسطة فهو أول من آمن وإن كان متأخر الوجود بحسب الزمان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: " نحن الآخرون السابقون " فلا يقدح اتباعه لملّة إبراهيم في سابقيته لأن معنى الاتباع هو السير في طريق التوحيد مثل سيره في الزمان الأول. ومعنى أوليته كونه في الصف الأول مع السابقين.