الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ }

{ وإذْ قالَ إبراهيم لأبيه } أي: اذكر وقت سلوك إبراهيم طريق التوحيد عند تبصيرنا وهدايتنا إياه واطلاعه على شرك قومه واحتجابهم بظهور عالم المُلك عن حقائق عالم الملكوت وربوبيته تعالى للأشياء بأسمائه معتقدين لتأثير الأجرام والأكوان، ذاهلين بها عن المكوّن فعيّرهم بذلك وقال لمقدّمهم وأكبرهم أبيه: { أتتخذ أصناماً آلهة } وتعتقد تأثيرها { إني أراك وقومك في ضلال مبين } ظاهر يعرف بالحسّ، ومثل ذلك التبصير والتعريف العام الكامل نعرف إبراهيم ونريه { ملكوت السموات والأرض } أي: القوى الروحانية التي يدبر الله بها أمر السموات والأرض، فإنّ لكل شيء قوة ملكوتية تحفظه وتدبر أمره بإذن الله { وليكون من الموقنين } فعلنا ذلك أي: بصّرناه ليعلم ويعرف أن لا تأثير إلا لله، يدبّر بأسمائه التي هي ذاته مع كل واحدة من الصفات، فتتكثر الأفعال من رواء حجب الأكوان. فالمحجوب بالكون واقف مع الحس يرى تلك الأفعال من الأكوان والمجاوز عنه الذي خرق حجاب الكون ووقف مع العقل محبوساً في قيده يراها من الملكوت، والمهتدي بنور الهداية الإلهية المنفتحة عين بصيرته يرى أن الملكوت بالنسبة إلى ذات الله تعالى كالملك بالنسبة إلى الملكوت، فكما لا يرى التأثير من الأكوان لا يراها من ملكوتها بل من مالكها ومكوّنها، فيقول حقاً: لا إله إلا الله.