الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ }

{ إذ قالَ الحواريون } إذ اقترح عليك أصحابك فقالوا { هل يستطيع ربّك } أي: شاهدك من عالم الربوبية، فإنّ ربّ كل واحد هو الاسم الذي يربّه ويكمله ولا يعبد أحد إلا ما عرفه من عالم الربوبية ولا عرف إلا ما بلغ إليه من المرتبة في الألوهية فيستفيض منه العلوم ويستنزل منه البركات ويستمدّ منه المدد الروحاني، ولهذا قالوا مع إقرارهم وإسلامهم: ربّك، ولم يقولوا: ربنا، لأن ربهم لا يستطيع { أن ينزل علينا مائدة من السماء } شريعة من سماء عالم الروح تشتمل على أنواع العلوم والحكم والمعارف والأحكام فيها غذاء القلوب وقوت النفوس وحياتها وذوقها { قال اتّقوا الله } احذروه في ظهور صفات نفوسكم واجعلوه وقاية لكم فيما يصدر عنكم من الأخلاق والأفعال تنجوا من تبعاتها وتفوزوا وتفلحوا إن تحقق إيمانكم فلا حاجة بكم إلى شريعة جديدة. { قالوا نريد أن } نستفيد { منها } ونعمل بها ونتقوّى بها { وتَطْمَئِن قُلُوبنا } فإنّ العلم غذاء القلب وقوته { ونعلم } صدقك في الإخبار عن ربك ونبوّتك وولايتك بها وفيها { ونكون عليها من الشاهدين } الحاضرين أهل العلم نخبر بها من عدانا من الغائبين ونعلمهم وندعوهم بها إلى الله { تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا } أمراً أي: شرعاً وديناً يعود إليه من في زماننا من أهل ديننا ومن بعدنا ممن سيوجد من النصارى { وآية منك } علامة وعلماً منك تعرف بها وتعبد { وارْزقْنَا } ذلك الشرع والعلم النافع والهداية { وأنت خير الرازِقين } لا ترزق إلا ما ينفعنا ويكون صلاحنا فيه { فمن يَكْفر } يحتجب عن ذلك الدين بعد إنزاله ووضوحه { فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين } لبيان الطريق ووضوح الدين والحجة مع وجود استعدادهم فلا ينكرونه إلا معاندين والعذاب مع العلم أشدّ من العذاب مع الجهل، إذ الشعور بالمحجوب عنه يوجب شدّة الإيلام.