الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

{ يا أيها الذين آمنُوا } بالإيمان العلمي { أوفوا بالعُقُود } أي: العزائم التي أحكمتموها في السلوك. والفرق بين العهد والعقد ههنا: أنّ العهد هو إيداع التوحيد فيهم في الأزل كما مرّ، والعقد هو إحكام عزائم التكليف عليهم ليتأدّى بهم إلى الإيفاء بما عاهدوا عليه. فالعهد سابق والعقد لاحق، فكل عزيمة على أمر يوجب إخراج ما في الاستعداد بالقوة إلى الفعل عقد بينه وبين الله يجب الوفاء به والامتناع عن نقضه بفتور أو تقصير { أحلّت لكم } جميع أنواع التمتعات والحظوظ بالنفوس السليمة التي لا تغلب عليها السبعية والشره، كالنفوس التي هي على طباع الأنعام الثلاثة { إلاّ ما يُتْلى عليكم } من التمتعات المنافية للفضيلة والعدالة فإنها منهيّ عنها لحجبها عن الكمال الشخصي والنوعي { غير مُحِلي الصيد وأنتم حُرُمٌ } أي: لا متمتعين بالحظوظ في تجريدكم للسلوك وشروعكم في الرياضة عند السير إلى الله لطلب الوصول فإنه يجب حينئذ الاقتصار على الحقوق، إذ الإحرام في الظاهر صورة الإحرام الحقيقي للسالكين في طريق كعبة الوصال، والقاصدين لدخول الحرم الإلهيّ وسرادقات صفات الجلال والكمال { إنّ الله يحكُم ما يُريد } على من يريده من أوليائه. { لا تُحِلوا شَعَائِرَ الله } من المقامات والأحوال التي يعلم بها حال السالك في سلوكه كالصبر والشكر والتوكل والرضا وأمثالها، أي: لا ترتكبوا ذنوب الأحوال ولا تخرجوا عن حكم المقامات فإنها شعائر دين الله الخالص. وكما أن المواضع المعلومة المعلمة بما يفعل فيها كالمطاف والمسعى والمنحر وغيرها والأفعال المعلومة في الحجّ شعائر يشعر بها الحاج. فهذه المقامات والمراتب والأحوال شعائر يشعر بها حال السالك وكما أنه لا يجوز في ظاهر الشرع تغييرها عن موضعها والخروج عن حكمها فكذلك هذه في شرع المحبين كما يحكى عن أحدهم أنه كان يتكلم في الصبر فدبّ عقرب على ساقه وأخذت تضربه وهو على حاله لا ينحيها فسئل عنه فقال: أستحي من أن أتكلم في مقام وأنا أفعل ما ينافيه { ولا الشهر الحرام } أي: وقت الإحرام بالحج الحقيقي وهو وقت السلوك والوصول بالخروج عن حكمه والاشتغال بما ينافيه ويصده عن وجهته ويثبطه في سيره { ولا الهدي } ولا النفس المستعدّة المعدة للقربان عند الوصول إلى فناء الحضرة الإلهية على ما أُشير إليه باستعمالها في شغل يصرفها عن طريقها أو يضعفها أو حمل فوق طاقتها من الرياضة، فينقطع دون البلوغ إلى المحل { ولا القَلائِد } ولا ما قلدته النفس من شعار أهل السلوك والسنن والأعمال الظاهرة بتركها وتغييرها عن وضعها { ولا آمّينَ البَيْت الحرام } ولا القاصدين المجدّين في السلوك المجتهدين بتغيرهم ومنعهم عن الرياضة وإيهان عزائمهم بالمخالطة وتقليل السعي وإيهامهم أنه لا حاجة بهم إليه وشغلهم بما يصدّهم أو يكسلهم { يَبْتَغون فَضْلاً من ربهم } بتجلّيات الأفعال { ورضْوَاناً } بتجليات الصفات.

السابقالتالي
2