الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَٰنَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَانَهُمْ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ }

{ فكيف إذا توفّتهم الملائكة } توفي الملائكة مخصوص بالقاطنين في مقام النفس المنخرطين في سلك الملكوت الأرضية أي: ما حيلتهم أو كيف يعملون إذ توفّتهم الملائكة الأرضية بقبض أرواحهم على الصفة المؤلمة المؤذية من جهتهم بالحجب عن الأنوار القدسية من وجوههم والمنع عما يميلون إليه من اللذات الحسية من أدبارهم إذ وجه النفس هو الجهة التي تلي القلب والضرب فيه هو الإيلام من جهته بالحجب عن أنواره وما فيه قرّة العين من تجليات الصفات والدبر هو الجهة التي تلي البدن والضرب فيه هو التعذيب من جهته بالحجز عن الجهة السفلية واللذات الحسية التي انجذبت إليها بالميل الطبيعي والهوى والحجب عنها بأخذ الآلات الموصلة إليها منهم { ذلِكَ } أي: ذلك الضرب والإيلام من الجهتين { بـ } سبب { أنهم اتّبعوا ما أسخط الله } من الانهماك في المعاصي والشهوات البدنية المبعدة عن جنابه، فاستحقوا الضرب في الأدبار { وكرهوا رضوانه } الذي هو الانسلاخ عن صفاتهم للاتصاف بصفاته والتوجه إلى جنابه الموجب لمقام الرضا والقرب، فاستحقوا الضرب في الوجوه. { أم حسب الذين في قلوبهم مرض } لما كانت سراية هيئات النفس إلى البدن أسرع من تعدي هيئات البدن إلى النفس لكونها من الملكوت التي من شأنها التأثير وكون البدن من عالم الملك الذي من شأنه الانفعال لم يمكن إخفاء الأحوال النفسانية كما ترى من ظهور هيئات الغضب والمساءة والمسرّة على وجوه أصحابها لكن الجهل الذي هو من أصعب أمراض القلوب يغرّ صاحبه ويعميه فيحسب أنّ ما في قلبه من الغلّ والحقد والحسد يخفيه والله يظهرها على صفحات وجهه وفي فلتات لسانه كما قال النبي عليه السلام: " ما أضمر أحد شيئاً إلا وأظهره الله في فلتات لسانه وصفحات وجهه " وذلك معنى قوله: { فلعَرفتهم بسيمَاهم } { ولتّعرفنهم في لحن القول } ولهذا قيل: لو بات أحد على معصية أو طاعة في مطمورة وراء سبعين باباً مغلقة لأصبح الناس يتقاولون بها لظهورها في سيماه وحركاته وسكناته وشهادة ملكاته بها.