الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ }

{ وإنه لعلم للسَّاعة } أي: أنّ عيسى عليه السلام مما يعلم به القيامة الكبرى وذلك أن نزوله من أشراط الساعة. قيل في الحديث: " ينزل على ثنية من الأرض المقدسة اسمها أفيق وبيده حربة يقتل بها الدجال ويكسر الصليب ويهدم البيع والكنائس ويدخل بيت المقدس والناس في صلاة الصبح، فيتأخر الإمام فيقدّمه عيسى عليه السلام ويصلي خلفه على دين محمد صلى الله عليه وسلم " فالثنية المسماة أفيق إشارة إلى مظهره الذي يتجسد فيه، والأرض المقدسة إلى المادة الطاهرة التي يتكون منها جسده، والحربة إشارة إلى صورة القدرة والشوكة التي تظهر فيها. وقتل الدجال بها إشارة إلى غلبته على المتغلب المضلّ الذي يخرج هو في زمانه. وكسر الصليب وهدم البيع والكنائس إشارة إلى رفعه للأديان المختلفة. ودخوله بيت المقدس إشارة إلى وصوله إلى مقام الولاية الذاتية في الحضرة الإلهية الذي هو مقام القطب. وكون الناس في صلاة الصبح إشارة إلى اتفاق المحمديين على الاستقامة في التوحيد عند طلوع صبح يوم القيامة الكبرى بظهور نور شمس الوحدة. وتأخر الإمام إشارة إلى شعور القائم بالدين المحمدي في وقته بتقدّمه على الكل في الرتبة لمكان قطبيته وتقديم عيسى عليه السلام إياه واقتداؤه به على الشريعة المحمدية إشارة إلى متابعته للملّة المصطفوية وعدم تغييره للشرائع وإن كان يعلمهم التوحيد العياني ويعرفهم أحوال القيامة اللكبرى وطلوع الوجه الباقي، هذا إذا كان المهدي عيسى ابن مريم على ما روي في الحديث: " لا مهدي إلا عيسى ابن مريم " ، وإن كان المهدي غيره فدخوله بيت المقدس: وصوله إلى محل المشاهدة دون مقام القطب والإمام الذي يتأخر هو المهدي، وإنما يتأخر مع كونه قطب الوقت مراعاة لأدب صاحب الولاية مع صاحب النبوة، وتقديم عيسى عليه السلام إياه لعلمه بتقدمه في نفس الأمر لمكان قطبيته وصلاته خلفه على الشريعة المحمدية اقتداؤه به تحقيقاً للاستفاضة منه ظاهراً وباطناً والله أعلم. وإنما قال: { واتبعون هذا صراط مستقيم } لأن الطريقة المحمدية هي صراط الله لكونه باقياً به بعد الفناء فدينه دين الله وصراطه صراط الله واتباعه اتباع الله، فلا فرق بين قوله: { وَٱتَّبِعُونِ } ، وقوله: واتبعوا رسولي، ولهذا كان متابعته تورث محبة الله إذ طريقه هي طريق الوحدة الحقيقية التي لا استقامة إلا لها ولهذا لم يسع عيسى إلا اتباعه عند الوصول إلى الوحدة وارتفاع الاثنينية يوجب المحبة الحقيقية.