الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ }

{ وما كانَ لبشر أن يكلمه الله إلاَّ وحياً } أي: إلا بثلاثة أوجه، إما بوصوله إلى مقام الوحدة والفناء فيه ثم التحقق بوجوده في مقام البقاء فيوحي إليه بلا واسطة كما قال الله تعالى:ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } [النجم، الآيات:8 - 10]. { أو من وراء حجاب } بكونه في حجاب القلب ومقام تجليات الصفات فيكلمه على سبيل المناجاة والمكالمة والمكاشفة والمحادثة دون الرؤية لاحتجابه بحجاب الصفات كما كان حال موسى عليه السلام { أو يرسل رَسُولاً } من الملائكة فيوحي إليه على سبيل الإلقاء والنفث في الروع والإلهام أو الهتاف أو المنام كما قال عليه السلام: " إنّ روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها " ، { إنَّه علي } من أن يواجه ويخاطب، بل يفنى ويتلاشى من يواجهه لعلوه من أن يبقى معه غيره ويحتمل شيء حضوره { حَكِيم } يدبّر بالحكمة وجوه التكليم ليظهر علمه في تفاصيل المظاهر ويكمل به عباده ويهتدوا إليه ويعرفوه. ومثل ذلك الإيحاء على الطرق الثلاثة: { أوحينا إليك روحاً } تحيا به القلوب الميتة { من } عالم { أمرنا } المنزّه عن الزمان المقدّس عن المكان { ما كنت تدري ما الكتاب } أي العقل الفرقاني الذي هو كمالك الخاص بك { ولا الإيمان } أي: الخفي الذي حصل لك عند البقاء بعد الفناء حال كونك محجوباً باغواشي نشأتك وحال وصولك لفنائك وتلاشي وجودك { ولكن جعلناه نوراً } عند استقامتك { نهدي به من نشاء من عِبَادنا } المخصوصين بالعناية الأزلية، إما المحبوبين وإما المحبين { وإنك } أيُّها الحبيب { لتهدي } بنا من تشاء { إلى صراطٍ مستقيم } لا يبلغ كنهه ولا يدرى وصفه. { صِرَاط الله } المخصوص به، أي: طريق التوحيدي الذاتي الشامل للتوحيد الصفاتي والأفعالي المسمى توحيد الملك، أعني سير الذات الأحدية مع جميع الصفات الظاهرة، والباطنة بمالكية سموات الأرواح وأرض الجسم المطلق { ألا إلى الله تَصِير الأمور } بالفناء فيه، فينادي بذاته:لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [غافر، الآية:16] ويجيب هو نفسه بقوله:لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر، الآية:16]، والله تعالى أعلم.