الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

{ يومئذٍ يَود الذين كَفَروا } بالاحتجاب عن الحق { وعصُوا الرسول } بالاحتجاب عن الدين { لو تُسوّى بهم } أرض الاستعداد، فتنطمس نفوسهم أو تصير ساذجة لا نقش فيها من العقائد الفاسدة والرذائل الموبقة { ولا يَكْتمون الله حَدِيثاً } أي: لا يقدرون على كتم حديث من تلك النقوش حتى لا يتعذبون بعقابه. { يا أيها الذينَ آمنُوا } بالإيمان العلميّ، فإن المؤمن بالإيمان العيني لا يكون في صلاته غافلاً { لا تَقْرَبوا الصلاة } أي: لا تقربوا مقام الحضور والمناجاة مع الله في حال كونكم { سُكَارى } من نوم الغفلة، أو من خمور الهوى ومحبة الدنيا { حتى تعلموا ما تقولون } في مناجاتكم ولا تشتغل قلوبكم بأشغال الدنيا ووساوسها فتذهلوا عنه، ولا في حال كونكم بعداء عن الحق بشدّة الميل إلى النفس ومباشرة لذاتها وشهواتها وحظوظها والركون إليها { إلاّ عابري سبيل } أي: مارّين عليها، سالكي طريق من طرق تمتعاتها بقدر الضرورة والمصلحة كعبور طريق الاغتذاء بالمطعم والمشرب لسدّ الرمق وحفظ القوة، والاكتساء لدفع الحرّ والبرد وستر العورة، والمباشرة لحفظ النسل لا منجذبين إليها بالكلية بمجرّد الهوى فتنطبع فيكم فلا يمكن زوالها أو يتعذر { حتى تغتسلوا } أي: تتطهروا عن تلك الهيئة الحاصلة من الانجذاب إلى الجهة السفلية بماء التوبة والاستغفار وعيون التنصل والاعتذار { وإن كنتم مرضى } القلوب، فاقدي سلامتها بأمراض العقائد الفاسدة والرذائل المهلكة { أو على سفر } في تَيْه الجهل والحيرة لطلب لذّة النفس ومادة الرجس بالحرص { أو جاء أحد منكم } من الاشتغال بلوث المال وكسب الحطام ملوّثاً بهيئة محبته وميله راسخة فيه تلك الهيئة { أو لامستم النساء } لازمتم النفوس وباشرتموها في لذاتها وشهواتها { فلم تجدوا ماء } علماً يهديكم إلى التفصي منها ويهذبكم بالتطهّر عنها { فتيمموا صعيداً طيباً } فتوجهوا صعيد استعدادكم الطيب، واقصدوه وارجعوا إلى أصل الاستعداد الفطريّ { فامْسَحوا } من نوره { بِوجُوهكم وأيديكُم } أي: ذواتكم الموجودة وصفاتكم بالنزول ومحو هيئات العلق بها، والتصرّف فيها، فإن ذلك التراب يمحو آثارها ويذرها صافية كما كانت { إنّ الله كان عفوّاً } يعفو عن تلك الهيئات المظلمة ورسوخ تلك الملكات الحاجبة بتركها والإعراض عنها، فيزيلها بالكلية فيصفو استعدادكم وتستعدّوا للقائه ومناجاته { غَفُوراً } يستر صفاتكم وذواتكم بصفاته وذاته.