الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً } * { وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ وَٱلْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أُوْلَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } * { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } * { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } * { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }

{ فبظلم } عظيم { من الذين هَادوا } أي: بعباداتهم عجل النفس واتخاذه إلهاً وامتناعهم عن دخول القرية التي هي حضرة الروح واعتدائهم في السبت بمخالفة الشرع والاحتجاب عن كشف توحيد الأفعال ونقضهم ميثاق الله واحتجابهم عن تجليات الصفات الذي هو كفرهم بآيات الله والانغماس في الرذائل كلها، كقتل الأنبياء والافتراء على الله بكون قلوبهم غلفاً أي: مغشاة بحجب خلقية لا سبيل إلى رفعها وبهتانهم على مريم، وادعائهم قتل عيسى عليه السلام من الخصال التي اجتماعها ظلم لا يعرف كنهه { حرّمنا عليهم طيبات } جنات النعيم من تجليات الأفعال والصفات وشهود الذات التي هي طيبات لا يعرف كنهها { أُحِلت لهم } بحسب قابلية استعدادهم لولا هذه الموانع { وبصدهم } الناس بصحبتهم ومرافقتهم ودعوتهم إلى الضلال أو بصدّ قواهم الروحانية { عن سبيل الله وأخذهم } ربا فضول العلوم كالخلاف والجدل واللذات البدنية والحظوظ التي نهوا عنها { وأكْلهم أموال الناس بالباطل } برذيل الحرص والطبع كأخذ الرشا وأجر التزويرات والتلبيسات أو استعمال علوم القوى الروحانية بين الفكر والعقل النظريّ والعلميّ في تحصيل المآكل والمشارب وكسب الحطام، وتحصيل اللذات والشهوات الحسيّة والمآرب السبعية والبهيمية عذاباً مؤلماً لوجود استعدادهم. { لكن الراسِخون في العِلم } أي: المحققون { منهم والمؤمنون } بالإيمان التقليدي المطابق الثابت { يؤمنون بما أنزل إليك } إلى آخره، أي: يتّصفون بالتزكية والتحلية { والمُؤمِنون } الموحدون بالتوحيد العيانيّ { واليوم الآخر } المعاينون لأحوال المعاد على ما هو عليه { أجراً عَظِيماً } من حظوظ تجليات الصفات وجناتها. { رُسُلاً مبشرين } بتجليات صفات اللطف { ومُنذرين } بتجليات صفات القهر { لئلا يكون للناس على الله حجة } ظهور وسلطنة بوجود صفة ما بعد رفعها ومحوها بإمداد الرسل { وكانَ الله عزيزاً } قوياً يقهرهم بمحو صفاتهم وإفناء ذواتهم { حكيماً } لا يفعل ذلك إلا بحكمة اتصافهم بصفاته أو بقائهم بذاته.