الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } * { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } * { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ } * { أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } * { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ }

{ لا تقنطوا من رحمة الله } فإن القنوط علامة زوال الاستعداد والسقوط عن الفطرة بالاحتجاب، وانقطاع الوصلة من الحق والبعد، إذ لو بقيت فيه مسكة من النور الأصلي لأدرك أثر رحمته الواسعة السابقة على غضبه بالذات فرجا وصول ذلك الأثر إليه، وإن أسرف في الميل إلى الجهة السفلية وفرط في جنب الحضرة الإلهية لاتصاله بعالم النور بتلك البقية. وإنما اليأس لا يكون إلا مع الاحتجاب الكلي واسوداد الوجه بالإعراض عن العالم العلويّ، والتغشي بالغطاء الخلقي المادّي. { إن الله يغفر الذنوب جميعاً } بشرط بقاء نور التوحيد في القلب وهو مستفاد من اختصاص العباد لإفاضتهم إلى نفسه في قوله:يٰعِبَادِيَ } [الزمر، الآية:53]، ولهذا قيل: يغفر جميعها للأمة المحمدية الموحدين دون سائر الأمم، كما قال لأمّة نوح عليه السلام:يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } [نوح، الآية:71] أي: بعضها. { إنه هو الفغور } لهئيات الرذائل من الإفراط والتفريط { الرحيم } بإفاضة الفضائل. { وأنيبوا إلى ربّكم } بالتنصل عن هيئات السوء { وأسلموا له } وجوهكم بالتجرّد عن ذنوب الأفعال والصفات من قبل انسداد باب المغفرة بوقوع العذاب الذي تستحقونه بالموت فلا يمكنكم الإنابة والتسليم لفقدان الآلات وانسداد الأبوب { يا حسرتا على ما فرّطت } بترك السعي في طلب الكمال والتقصير في الطاعة حين كنت في جوار الله، قريباً منه، لصفاء استعدادي وتمكّني من السلوك فيه بوجود الآلات البدنية المعدّة لي. { ويوم القيامة } الكبرى { ترى الذين كذّبوا على الله } من المحجوبين الذين يسوّونه بالمخلوقات، إذ يجسمونه ويجوّزون عليه ما يمتنع عليه من الصفات لاحتجابهم بالموادّ { وجوههم مسودّة } بارتكاب الهيئات الظلمانية ورسوخ الرذائل النفسانية في ذواتهم { أليس في جهنم } الطبيعة الهيولانية { مثوى للكافرين } الذين احتجبوا بصفات نفوسهم المستولية عليهم.