{ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما } خلقاً { باطلاً } لا حق فيها، بل حقاً محتجباً بصورها لا وجود لها بنفسها فتكون باطلاً محضاً. { ذلك ظنّ } المحجوبين عن الحق بمظاهر الكون { فويل } لهم من نار الحرمان والاحتجاب والتقلّب في نيران الطبيعة والأنائية بأشدّ العذاب. بل لم نجعل { الذين آمنوا } بشهود جماله في مظاهر الأكوان { وعملوا الصالحات } من الأعمال المقصودة بذاتها، المتعلقة بصلاح العالم، الصادرة عن أسمائه { كالمفسدين } المحجوبين الفاعلين بأنفسهم وصفاتهم الأفعال البهيمية والسبعية والشيطانية في أرض الطبيعة { أم نجعل المتّقين } المجرّدين عن صفاتهم { كالفجّار } المتلبسين بالغواشي النفسانية والشيطانية في أعمالهم { ليدّبروا آياته } بالنظر العقلي ما داموا في مقام النفس، فينخلعوا عن صفاتهم في متابعة صفاته { وليتذكر } حال العهد الأول والتوحيد الفطري عند التجرّد { أولو } الحقائق المجرّدة الصافية عن قشر الخلقة. ثم ذكر تلوين سليمان وابتلاءه تأكيداً لتثبيته، وتقوية له في استقامته وتمكينه { نِعْم العبد } لصلاحية استعداده للكمال النوعي الإنساني وهو مقام النبوّة { إنه أوّاب } رجّاع إليّ بالتجريد. { إذ عرض عليه بالعشيّ } وقت قرب غروب شمس الروح في الأفق الجسماني بميل القلب إلى النفس وظهور ظلمتها بالميل إلى المال واستيلاء محبة الجسمانيات واستحسانها، كما قال الله تعالى:{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ } [آل عمران، الآية: 14] إلى قوله: { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ }. فإنّ الميل إلى الزخارف الدنيوية والمشتهيات الحسيّة وهوى اللذات الطبيعية والأجرام السفلية يوجب إعراض النفس عن الجهة العلوية، واحتجاب القلب عن الحضرة الإلهية { الصافنات الجياد } التي استعرضها وانجذب بهواها وأحبها { فقال إني أحببت حب الخير } أي: أحببت منيباً حبّ المال { عن ذِكْر ربّي } مشتغلاً به لمحبتي إياه كما يجب لمثلي أن يشتغل بربّه ذاكراً محبّاً له، فاستبدلت محبة المال بذكر ربّي ومحبته فذهلت عنه { حتى توارت } شمس الروح بحجب النفس { ردّوها عليّ فطفق مسحاً بالسوق والأعناق } أي: يمسح السيف مسحاً بسوقها يعرقب بعضها وينحر بعضها، كسراً لأصنام: النفس التي تعبدها بهواها وقمعاً لسورتها وقواها، ورفعاً للحجاب الحائل بينه وبين الحق واستغفاراً وإنابة إليه بالتجريد والترك.